بينَما هُوَ ذاتَ لَيلَة قائمٌ يُصلي العِشاء إذ استبكَى، فَكَثُرَ بُكاؤهُ حَتَّىٰ فزِغَ المُصلّين ، فسأله الشَّيخ، فقال :
كُنت أصلّي وأُرتّل إلى أن وَصلت لقول الله تعالى
[ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ]..
فلَم أتمالك نَفسي يا شيخ.. أصبحتُ طِفلًا للهوى ، و دائمًا أسخط إذا تأخّرت الإجابة ، وأقنطُ إذا نزلت بي فاجعة أو بلاء.. وجسدي مُتعب في كَسب الحُطام..
وعِند السَّعي لزاد القَبر أُصبح مُنهك..
أينَ العزائم وأنا أعلمُ أنّ الموتَ آتٍ ؟
وأنَّ إِلَىٰ رَبِّ الرُّجْعَىٰ.
- يا بُنيّ..")
الجنّة ليس لها مِفتاح سرّي ، ولا باب هشّ ، ولا خرائط غامضة ، ولا طريق مُظلم.
الجنَّة بابها [ المُجاهدة ] .. والمُجاهدة تأتي بالصَّبرِ على النَّفس ، فكُن أَوَّابًا ، ولِلإستغفارِ لزَّامًا ، وتشرَّب القُرآن كما تشرَب الماء ، وطهّر قلبك مِن الشَّوائب بمحاولة الخشوع ، وصلِّ صلاة تُليقُ بمعبودك ، وصُم عن الذِّنوب عُمرًا ، واسعَ كي لا تَفوتك مِنحة تَتجافى..
وإياكَ أن تَغفل عَن نَفسك.
ولا تَحزن ، فكَمْ من مُتأخِّرٍ سَبقَ مُتقدِّماً..
واعلم أنّ ثَمة فِردوس فِي آخر الطَريق تَنتظرك، فَلا تَبتئس ربّك مَعك ، ولا تَقنط لأجلِ بلاءٍ عَابر ، فتِلك النّدبة المُميّزة ستكون سَبب رِفعتك ، وَسِر في سِرب أهلِ اليقين ، واجتهاد المُتَّقين.
أيُحبُّني يا شيخ !
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ.
وَكيف سأصل إلى مَرحلة الإيمان وأنا كثير الذُّنوب !
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.
- ولكنّي في الطّريق وَحدي..
= قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ.
- فتنٌّ كثيرة.
= يقولون مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ؟ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
- أشعرُ بالخوفِ الشَّديد.. ألّا يتقبّلني بعد كُل هذهِ الذنوب.
= أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ..إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ.
- هل سيُعطيني !
= خَزائِنُ اللهِ مَملوءَةٌ، وعَطاؤُه لا يقِفُ على شَخصٍ.
شعرتُ حينها بالسَكينة ، فربّت الشيخ على رأسي وقال لي :
حَيَّاكَ اللّهُ وبَيَّاك ، وأَسكَنَكَ مَنْزِلاً فِي الجَنَّةِ وهَيَّأهُ لكَ ، و تَغَمَّدَكَ بالتَّحِيَّةِ ، و استَقبَلَك بِمَا تُريدُ.
استَعن بالله فهو [ الباقي ] ، ولا تحزن لأجل الفاني ..
وكُن في الدُّنيا كعابر سَبيل..
|