الفارس – قصة طويلة – الجزء الثالث و الأخير
إرتج عليها الأمر فصمتت ثلاث دقائق كاملة ، و هي تفكر .. كيف ستتزوج بدون موافقة أهلها ، و كيف ستواجه الأهل بعد ذلك ؟ معني كلامه أنها سوف تعيش معه إلي الأبد ، و هذه من الأحلام التي كانت تتمني تحقيقها و لكن بنفس الوقت سوف تقطع علاقتها بأهلها إلي الأبد ...
تذكرت أمها الحنون الرقيقة التي كانت أرق من النسيم عليها طوال عمرها ، فلم تمتد يدها لتضربها قط مهما فعلت ، و تذكرت والدها الذي كان بمثابة الصديق المقرب لها ، تشكي له همومها و أحزانها و كلما أحست بالألم و الضيق فرت إلي صدره لتفرغ دموعها و أحزانها ... و تذكرت شقيقتها الصغيرة ذات الأعوام الثمانية و التي كانت تعتبرها بمثابة الإبنة ، تطعمها و تلهو معها و تستذكر لها دروسها ..
كل هؤلاء سوف تقطع صلتها بهم نهائياً ...و ..
" ما جوابك ؟"
قاطعت عبارته أفكارها و هي تستعيد وجوه أسرتها في خيالها قبل أن يظهر وجه حبيبها ليطغي علي كل شئ أمامها ... ووجدت نفسها تقول :-
- نعم يا حبيبي .. سوف أهرب معك .
قال في إرتياح :-
- إذن سوف أنتظرك أمام الكورنيش في المكان المعتاد بعد ساعة واحدة من الآن ، وداعاً يا زوجتي !
و هكذا وجدت الفتاة نفسها زوجة لذلك الشاب ، و لكن بعقد عرفي و ليس زواج رسمي ! ، و كانت مجبرة علي ذلك ، فلقد إعتمد علي أنها هاربة من منزل والديها و لن تجرؤ علي الرجوع إليهما مرة أخري .. لقد جاءته بعد أن باعت كل شئ و هو قد إستغل تلك الفرصة تماماً ...
و ظهرت حقيقته أخيراً ، فهو ليس فارس و لا مغوار و لا أي شئ .. إنه مجرد شاب عابث كاذب كما قال والدها يحلو له تدخين المخدرات و السهر مع النساء ...!
ووجدت المسكينة نفسها بين شقي الرحي ، فمن جهة لن تقدر علي الرجوع بعد أن تزوجت و تبرأ منها أهلها كما اخبرها هو و من ناحية أخري وجدت نفسها بين براثن إنسان لا يمكن وصفه .. حتي أنه لا يستحق لقب " إنسان " و لكن يمكن أن نطلق عليه " مخلوق " ...
فهو كان دائم الضرب لها علي أتفه الإسباب ، و يتعامل معها من منظور التعالي و التكبر و كونه من جنس أعلي منها مرتبة و أنها يجب أن تضرب لأنها مجرد كيان ضعيف لا حول له و لا قوة ...
و في ذلك اليوم عندما هوت تلك اليد بهذه الصفعة القاسية علي وجهها لتمزق شفتها ، كانت اليد هي يده .. تلك اليد التي حلمت هي بها طويلاً و هي تحتضنها و التي طالما قبلتها قبل أن تهرب من المنزل ، و كانت تقول له :-
- دوماً أري الرجال يقبلون أنامل النساء و لكن حبيبي أنا يجب أن أقبل أنامله و ألثمها ، فلا يوجد من هو أرق و أحن منه عليّ بكل هذه الدنيا ..
ثم تحتضن اليد و تضمها إلي قلبها حتي يشعر بخفقاته العاشقة الولهانة .. لكن هذه اليد تغيرت و تحجرت و أصبحت قاسية للغاية ، فهي تهوي علي جسدها بقوة غير عادية ، كما لو كانت تريد الإنتقام منها .. و لماذا الإنتقام ؟ لأنها عشقته و أحبته و ذابت بهواه ووهبته قلبها و روحها .. لأنها كيان رقيق حنون طيب مسالم و هو متجبر قاسٍ ظالم عربيد ...
وجدت نفسها تبكي بحرقة و هي تنظر إلي آثار الضرب في جسدها منه ، و مما عانته طوال هذه الفترة التي قضتها كزوجة له .. لقد كانت مجرد أمَة لأسرته بكل معاني الكلمة ، فهي تخدم أمه و لا تجد منها سوي السباب و الزجر و الضرب بعصاتها الخشبية الغليظة و أخته دوماً تسبها بأشنع و أقذع الكلمات و تتهمها في شرفها و عندما إشتكت له لم يكن جوابه سوي الضرب المبرح ، فأخته كيان سامي أما هي فكيان قذر حقير لا يستحق سوي نيران الجحيم ...
لقد عانت الأمرين ، و ظلت صابرة علي هذا البلاء طوال هذه الفترة ، لأنها لا تريد أن تحمل ذلك اللقب و هي لم تتجاوز العشرين ، لقب " مطلقة " خاصة و أنها تعرف أن من تحمل هذه اللقب محكوم عليها بالإعدام الإجتماعي ، فلا أحد يفكر في الزواج منها قط و كل من يقترب منها يكون هدفه شئ واحد فقط و هو النيل من جسدها لا أكثر و لا أقل !
وقفت أمام المرآة و هي تتأمل جمالها الذابل و آثار أصابعه التي لونت خدها بلون أحمر قانٍ بعد هذه الصفعة المرعبة القاسية .
ووجدته يقف خلفها و يقول بغلظة :-
- سوف يأتي أصدقاء لي ، عليكِ بتجهيز الطعام لنا !
قالت بغضب نجح في التغلب علي خوفها منه :-
- أنا متعبة و لن أقدر علي فعل شئ الآن !
هجم عليها ليلكمها لكمة كالمطرقة في معدتها جعلتها تتقئ و تسقط أرضاً و هو يقول في غضب صارخ :-
- سوف تنفذين ما أقوله لكِ ، لأنني أريد ذلك و ليس لكِ حق المناقشة !
و ركلها في ظهرها بقوة قبل أن ينصرف و هو راضٍ عن نفسه ..
لقد كان والدها علي حق ، فمن يبني حياته علي الكذب لا يمكن أن يكون إنسان سوي أبداً ، إنه لم يحصل سوي الإعدادية بالفعل ، و لم يكن يذهب إلي الجامعة إلا لأجل التعرف علي البنات و إقامة علاقات مع من توافق منهن بعد أن يخدعها و يغرر بها و عندما أظهر لها بطاقة الجامعة لم تكن سوي بطاقة أحد أصدقائه بعد أن بدل الصورة ، و الغريب أن الإسم كان مختلف و مع ذلك لم تنتبه هي من شدة حبها له و ثقتها فيه و ها هي الآن تتجرع النتيجة ، تتجرعها بأبشع الأساليب..
تحاملت علي نفسها و نهضت ، لتشعر بألم فظيع في أمعائها بعد هذه اللكمة المرعبة ، و كذلك كان ألم ظهرها يلهبها ...
أعدت الطعام و وضعته أمام أصدقائه .. ثم قال أحدهم كلمة عابرة و هي :-
- زوجتك تبدو جميلة !
و لم يفعل أي شئ ، لم ينهر صديقه بحرف، فقط بعد أن إنصرافهم خلع حزامه و إنهال عليها بالضرب المبرح ، فصرخت و هي تهرب إلي إحدي الغرف :-
- لكن لماذا تضربني ؟
قال بحنق ساخط :-
- لقد قال أحد أصدقائي أنكِ جميلة !
قالت بدهشة مذعورة :-
- و لو كان كذلك ، ما ذنبي أنا بجمالي ؟
قال و هو يلحق بها :-
- ذنبك هو أنك لم تخفي جمالك عن أصدقائي و هذا يستحق العقاب ، كيف تجرؤين علي الظهور أمامهم بدون وضع غطاء علي شعرك !
قالت في رعب بعد أن حاصرها في أحد الأركان :-
- أرجوك سامحني ، لقد نسيت هذا بالفعل .. لقد نسيت !
هوي بالحزام علي جسدها بدون رحمة و هو يقول :-
- و هذا هو جزاء النسيان عندي !
كان الضرب مؤلم بحق ، حتي أن قطعة الحديد في بداية الحزام أصابت رأسها بجرح كبير و سقطت أرضاً و هو لا يكف عن ضربها ، قبل أن يركلها و هو يقول في حنق شديد ساخط :-
- النساء جنس لعين قذر يستحق النيران في الآخرة !
و بصق عليها و هو ينصرف في غضب ..!
ثم عاد هو يقول :-
- لقد كانت رائحتك بشعة بالأمس ، عليكِ بالإستحمام ، فسوف أجامعك اليوم ليلاً حين أعود ، و لكن لا تسرفي في المياه !
و تحاملت علي نفسها و هي ترقد علي الفراش و تئن .. تئن في ألم و حزن و مرارة و هزيمة و تقول :-
- ماذا فعلت يا ربي حتي أنال ذلك ؟ ماذا فعلت ؟
و عادت بها الذاكرة إلي سنة و نصف قد خلت و تذكرت كيف كانت ترتدي الضيق و المجسم لجسدها و كيف كانت تتعمد الدلال في مشيتها مع الكعب العالي و كيف كانت تضع العطور التي تجذب الأنظار لها و كيف كانت مصدر فتنة و ضلال للكثيرين بل و كيف كانت لا تصلي ...
إنها رغم سنوات عمرها العشرين لم تركع لله ركعة واحدة .. حينها بكت .. بكت علي أعوام قضتها في الضلال و الجهالة و عصيان الله عز و جل دون أن يطرف لها جفن بكت لتختلط دموعها بتلك الدماء التي غمرت وجهها من جرح جبينها و قالت في أسف و ندم حقيقي :-
- سامحني يا ربي علي كل فرض ضيعته و علي كل إثم إرتكبته و علي كل لحظة قضيتها بعيدة عنك ... اللهم إني أسألك أن تشرح صدري و تقربني منك .. إغفر لي و إرحمني يا إله السموات ، إنك عظيم يا ربي و أكرم و أحلم و أرحم من أن تعذب مخلوقة ضعيفة مثلي .. إنني أرجع إليك و أتمني منك الرحمة و الغفران..
الغريب أنها احست بطاقة نفسية عجيبة بعد هذا الندم و تلك الكلمات التي قالتها و وجدت نفسها تذهب لتغتسل و تضمد جرحها و تتوضأ للمرة الأولي بحياتها و تصلي ركعتين لله ...
و قالت و هي ساجدة :-
- يارب ألهمني النجاة من الواقع الذي أنا به ، و إرحمني من عذاب الآخرة و عذاب الدنيا حتي لا أفتن ، لقد حميتني يا ربي و أنا ببئر عصيانك ، فهذا الإنسان كان قادراً علي إشباع شهوته مني و من ثم يتركني مثلما فعل مع الكثيرات غيري ، لكنك نجيتني و جعلته يتزوجني دون أن أخطئ معه و أرتكب ذنب عظيم يستدر سخطك عليّ و سخطي علي نفسي طوال حياتي .. لقد حميتني من نفسي و أنا عاصية لك ، فهل ستردني الآن و أنا تائبة نادمة عما بدر مني ياربي ؟ اللهم نجني و إرحمني و أغثني و إرفع عني ما أنا فيه يا إلهي .
و ما إن قامت من سجدتها حتي شعرت بطمأنينه عجيبة و إذ بها تعد حقيبة صغيرة ، تضع فيها حاجياتها ، و التي لم تزد عن بضعة أغراض مهترئة ، فذلك الزوج الهمام لم يشترِ لها أي شئ علي الإطلاق و كانت وجهة نظرة أن المرأة يجب أن تصرف علي نفسها !! يكفي أنه يطعمها ، رغم أنه كان يتعمد إذلالها و لا يتركها تأكل سوي أقل القليل حتي أصابها الهزال و خسرت الكثير من وزنها و أنوثتها ، و أصبح جلدها الرقيق الذي كانت تتباهي بنعومته و ترتدي بلوزات تعري ذراعها حتي المرفق – رغم حجابها – حتي تظهر رقته و نعومته و جماله.. هذا الجلد أصبح جاف خشن ....
كانت تشعر بالرعب من البقاء في المنزل ، فلقد أخبرها أنه سوف يجامعها ليلاً ، و ربما كان هذا شئ طبيعي أو روتيني عند أي زوجة و لكن لو كان الزوج مثل هذا الشاب فتلك مصيبة حقيقية ، فهو يتعامل معها بعنف كما لو كانت بقرة أو بهيمة .. حتي البهيمة يعاملها ذكرها بطريقة أحسن منها ! ، و هو يتعمد ضربها و إهانتها و سبها بأقذع السباب أثناء العلاقة الخاصة ، و لا يرحم صرخاتها و توسلاتها و لا يتركها إلا بعد أن يروي ساديته و تظل راقدة علي الفراش غير قادرة علي الحركة لساعات و هي تئن و تتوجع و تبكي بدموع من دم علي أنوثتها التي إفترسها و كرامتها التي أراق كل دمائها ...
لقد كان يفعل ذلك و يتفاخر به ، فكانت تسمعه يقول في مجلس أصدقائه " لقد أمسكتها و فعلت بها كذا و كذا و ضربتها هنا و هنا " و لا يخجل من شئ ، فهو يري أن الرجولة لا تكون بالتجبر علي المرأة فحسب ، و لكنها تتمثل في قهرها و طحنها بل و حرقها كذلك ، هكذا يكون الرجال .. و عندما نهرته عن قول ذلك أمام أصدقائه لم يكن رد فعله سوي بعض الصفعات و الركلات ، و ضربه قاسية بعصا أمه الغليظه علي ذراعها الأيمن أصابته بشرخ إستمر لبضعة أسابيع .. الغريب انه كان يطالبها بتحضير الطعام له و هي بهذه الحالة و يضربها لو تأخرت كذلك ...
إنها لا تنسي يوم أن أعدت له كوب من الشاي ، و لكنه قال في قرف:-
- إنه قليل السكر و أنتِ تعرفين أنني أحب السكر الزائد ، خذي !
و ألقي بكوب الشاي الساخن علي وجهها .. و صرخت عندما أحرقت المياه الساخنة وجهها و لكن لحسن القدر كانت إصابة بسيطة و إختفت مع العلاج ...
كذلك لا تنسي عندما صفعها بعنف لمجرد رؤيتها و دون سبب منطقي ، فدفعته في غيظ .. و كانت هذه هي غلطتها ، فحينها إنهالت عليها الركلات و الصفعات و السباب و البصاق ، ثم حملها كما لو كانت طفلاً صغيراً و هوي بها علي قطعة من الرخام و تحطمت .. قطعة الرخام السميكة تحطمت من فرط الصدمة و أغمي علي المسكينة من فورها ، و ظن الشاب أنها ماتت ، فوطئها بقدمه و إنصرف بلا مبالاة ، و إندهش حينما عاد في المساء ووجدها لا تزال حية .. إن ظهرها لا يزال يؤلمها كلما إنحنت رغم مرور أشهر طويلة علي هذه الواقعة !
لقد كان شخص كريه مرعب بحق ، بمجرد أن يرمقها بنظرة صارمة كانت تركض إلي غرفتها و تغلق الباب خلفها ، و كلما كانت تحاول أن تتشجع و تدافع عن نفسها كانت تنال من الضرب و الإهانة و الهوان أضعاف مضاعفة ...
طردت كل هذه الإفكار التعيسة من رأسها و أرادت الهرب .. لم تكن تعرف إلي أين و لكن هذا هو الخاطر الذي سيطرعليها .. كانت تعرف عشرات الحكايات التي هربت فيها نساء من ظروف مماثلة لظروفها و كانت نهايتهن أن أصبحن مجرد فتيات ليل رخيصات و لكنها قالت في ثقة حقيقية :-
- لقد عدت إلي الله ، و الله عز و جل لن يضيعني ... أنا واثقة من ذلك..
إنهمرت دموع ألم و حسرة من عينيها علي ما فرطت فيه من عبادة الله و طاعته و لكنها بنفس الوقت كانت تحس بطمأنينه و راحة عجيبة ..
الهروب كان صعب ، فرغم عدم وجود زوجها إلا أن أمه ذات العصا الغليظة كانت تهوي مشاهدة التلفاز في غرفة المعيشة و التي يقع بها باب الشقة و كذلك أخته كانت تجلس في المطبخ المطل علي غرفة المعيشة ، و لكن بتوفيق من الله عز و جل وجدت أن أمه و أخته كانتا بغرفة النوم و تتحدثان في شأن ما ..
شعرت أن الله يساندها ، فتحركت بحذر بعد أن خلعت حذائها البالي و هي تسير حافية كي لا يصدر منها أدني صوت ، ثم فتحت باب الشقة بهدوء و أغلقته بنفس الهدوء ، ثم ركضت ... ركضت كما لو أن شياطين الجحيم تطاردها في همة و نشاط .. لقد ظلت تركض حافية لمسافة تزيد عن الكيلومتر ! ، و لم تهتم لمنظرها أو نظرات المارة و هم يظنونها إحدي المخبولات اللائي تعج بهن الشوراع !
لا يهم .. الأكثر أهمية أنها هربت من ذلك الجحيم .. و تفكرت المسكينة كيف تتصرف ؟ إن أهلها قد تبرأوا منها و هي لن تجد صديقة تساعدها في محنتها ، فأياً منهن لن تضع نفسها في مشاكل زوجة هاربة من زوجها إضافة إلي أن صديقاتها قليلات و العلاقة بينهن ليست قوية بما يكفي ...
إرتدت حذائها أخيراً و سارات لساعات دون جدوي ... و شعرت بأن ساقيها لا تقويان علي حملها ، فبكت ...بكت و هي تقول في ألم و حزن :--
- ماذا أفعل يا ربي ؟ لقد هربت من جحيم و لكنني وجدت نفسي بجحيم أكبر .. أين أذهب و لمن ألجأ ؟ إنني أفوض أمري إليك و أرجو أن ترحمني و تغيثني .
لم تكد تنهي كلماتها حتي سمعت المؤذن يقول " الله أكبر .. الله أكبر "...
فذهبت بدون تفكير إلي أقرب مسجد و توضأت و صلت ، و دعت الله بإخلاص أن ينجيها و ينجدها ..
و بعد إنتهاء الصلاة لمحت إحدي النساء اللائي لم ينل السن من جمالهن و رقتهن ، و ما إن تأملت ملامحها حتي قالت بدون وعي :-
- أمي !
نظرت لها المرأة بلهفة و هي تقول :-
- إبنتي !
و دون سابق إنذار إحتضنت كل منهما الأخري و بكيتا .. الإبنة بكيت بعد أن عادت لحضن أمها و حنانه و دفئة و رقته بعد كل العذاب الذي نالها و الأم كانت تشعر بسعادة ما بعدها سعادة بإبنتها ..
و قالت لأمها :-
- لقد تعذبت يا أمي .. تعذبت و أُهِنت و جرحت و تحملت ما لا طاقة لي به ... لكن كيف يا أمي ؟ كيف تحضنينني الآن ؟ ألم تتبرأوا جميعكم مني ؟
نظرت لها الأم في دهشة و هي تقول :-
- نتبرأ منكِ ؟ و لماذا يا بنيتي ؟
قصت الإبنة حكايتها كاملة و موضوع تبرأ أهلها منها و أن ذلك كان أحد أهم العقبات التي منعتها من العودة إلي منزل أهلها ، فقالت الأم و عينيها تذرفان الدموع :-
- إنه ذلك الحقير ... لقد تصنع هذه الكذبة حتي يقطع عليكِ سبيل العودة .. صحيح أن والدك غضب منكِ كثيراً و أنا تقطع قلبي حسرة علي فراقك و صحيح أنكِ تزوجت بدون إرادتنا و لكننا لم نتبرأ منكِ .. بل علي العكس كنا ننتظر عودتك يا بنيتي .. صدقيني إننا نحبك و نحب كل ذكري كانت منكِ .. هل تصدقين أن أختك الصغيرة كانت تبكي كل يوم لأجل فراقك ... و كانت لا تحب أن تلعب إلا بتلك الدمي التي أهديتها أنتِ لها من قبل ، لأنها تذكرها بكِ ... إننا نحبك يا بنيتي ... نحبك من صميم قلوبنا ، فأنتِ إبنتنا البكر الرقيقة الحلوة الجميلة ...
قالت في أسف حقيقي :-
- و أين ذهب هذا الجمال ؟ لقد أصبحت مجرد أنثي بالإسم ، ذهب جمالي و إنزوي شبابي و أصبحت أبدو للشحاذات أقرب !
قالت الأم في حنان و هي تمسح علي وجه إبنتها في رقة فائقة :-
- دعكِ من هذا الكلام ، سوف تعودين كما كنتِ .. ستكونين أجمل و أرق و أفتن و سوف يتهافت عليكِ الشباب كما كانوا ..
قالت الفتاة في سرعة :-
- محال يا أمي ... لقد كنت جميلة .. لكنني لم أراعي الله في جمالي قط و كنت أتعمد فتنة و إغراء الشباب بشتي الطرق و السبل و إظهار ما حرم الله أمامهم .. لكنني أعاهد الله أنني لن أفعل هذا مرة أخري و إن كتب لي الله و رجعت إليّ بعض أنوثتي أو كلها ، فسوف لا أظهر منها إلا ما حلله الله ..
قالت الأم و هي تقبل جبين إبنتها :-
- ما شاء الله عليكِ يا بنيتي .. لقد صنعت منكِ المحنة إنسانة جديدة تجعل أي أم تفتخر بكونك إبنة لها ، و أنا نادمة علي تقصيري في تربيتك .. فلم أقومك من الناحية الدينية كما ينبغي ..
قالت الإبنة في حنان :-
- هذا ليس وقت العتاب ... المهم كيف سأتصرف الآن بعد أن هربت من منزلي و كيف ستواجهون زوجي ؟ إنه شيطان في صورة بشر و يمكنه أن يفعل أي شئ ..
قالت الأم في ثقة :-
- لا تقلقي يا بنيتي الصغيرة ، والدك سوف يتولي كافة الإجراءات ، إنه طيب و حنون القلب و لكن لو أراد أحد أن يؤذيكِ فسوف يفترسه بلا رحمة ... سوف تنالي حريتك قريباً .. لا تقلقي يا حبيبتي ...
قالت الإبنة بقلق :-
- و لكنني أشعر بالذنب .. لقد أسأت إليكم جميعاً و مشيت وراء رغبتي و قلبي و لم أراعي الله عز و جل فيكم .. لم أراعي قلبك الذي أنجرح بغيابي و لا كرامة أبي وسط الناس بعد هروب إبنته .. حتي أختي الصغيرة لم أراعي تعلقها بي و حبها لي و هجرت الجميع بدون سابق إنذار ..
قالت الأم و هي تحتضن إبنتها في رقة فائقة :-
- أنتِ قلتها من قبل ، هذا ليس وقت العتاب ... كل شئ يمكن أن يعود كما كان .. فمادامت فينا الروح إذن فالأمل موجود ، سيفرح والدك و ستسر أختك بعودتك كما سررت أنا الآن و نسيت كل ما كان ... و الآن تعالي معي حتي يضيئ المنزل بوجودك.
قالت لها في سرعة :-
- لحظة يا أمي ...
نظرت لها الأم بدهشة ، لكنها زالت حين رأتها تسجد لله عز و جل و تقول في خفوت شديد :-
- ربي أوزعني أن أشكر نعمتك عليّ ، لقد لجأت إليك رغم عصياني لك جهاراً نهاراً و لم تردني .. و لم تزدني غير رحمة فوق رحمة .. و نجيتني من كربي العظيم ، أشكرك يا إلهي... أشكرك و أعاهدك بأنني لن أعصاك مرة أخري بقدر إستطاعتي ..
ثم نهضت من سجدتها و هي تشعر بإطمئنان في صدرها و بنور و سكينة تسكنان روحها و سارت مع أمها إلي منزلها الذي إفتقدته كثيراً ...
تمت بحمد الله سبحانه و تعالي
الأحد الموافق 29 / 1 / 2017
الساعة 9.20 صباحاً