الموضوع: لا عدوى!
عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /09-22-2024, 10:40 AM   #1

د. محمد الرمادي

من مبدعي المنتدى

 

 رقم العضوية : 72385
 تاريخ التسجيل : Jul 2011
 الجنس : ~ رجل
 المكان : بين أمواج ورمال الْإِسْكَنْدَرِيَّة
 المشاركات : 7,316
 النقاط : د. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond reputeد. محمد الرمادي has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 3594
 قوة التقييم : 2

د. محمد الرمادي غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

25 وسام الحضور المميز مميز فى القسم الاسلامى 

افتراضي لا عدوى!

لا عدوى
المسألة هذه.. مِن مسائل صحيح العقيدة ومتين الإيمان.. ولها عدة مفاصل ومطالب في البحث..
أقصد مسألة المرض.. سواء العضوي منه أو النفسي..
لذا فقد.. بَيَّنَ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- بعضَ أمور كانت في الجاهلية تحذيرًا منها.. وتصحيحاً للعقيدة.. وبيانًا أن الأمر بيد الله وحده.. وأنه لا يكون في ملكه شيء ما إلا وفقا لإرادته.. وتبعاً لمشيئته.. وبناء على تقديره..
فقد :
كان أهل الجاهلية يظنون أن المرض يُعدي بنفسه.. بذاته..
فنهى -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الاعتقاد بانتقال المرض من المريض إلى السليم بطبعه.. فالله هو المتصرف في الكون.. وهو الذي ينزل الداء ويرفعه.. ولا يحدُث ذلك إلا بإرادته وتقديره..
كما :
أمر بالابتعاد عن المصاب بمرض الجذام كما تبتعد عن حيوان الأسد.. وذلك احتياطٌ للنفس وطلبٌ لها السلامة وفعلٌ للأسباب التي أمر الله الآخذ بها.. والجذام: مرض تتآكل منه أعضاء الإنسان.. مع عدم غياب صحيح التوكل عليه-سبحانه-..
..
والسؤال الهام :
كيف نقوي جهاز المناعة في جسم الإنسان!؟..
وليس المقصود هنا جهاز المناعة البدني فقط.. وتنشيط خلايا الدم البيضاء..
بل
الروحي والعقلي..
خاصةً لوجود هذه السيولة ومنذ حين في التلقي مِن عدة مصادر وخاصةً في الزمن الحديث بواسطة تعدد منصات التواصل الإجتماعي.. و
منها :
التيك توك بما تقدم من محتوى فارغ أو فاسد وصعود نجومه(!).. وهم لا يملكون أدنى مستوى تعليمي أو ثقافي أو فكري..
ناهيك عن بقية مجموعة الإفساد الخُلقي أو التشويش الذهني!

مِن البديهي أن الوسط الذي يولد فيه الإنسان ويعيش فيه..أي المُحيط الذي يتواجد فيه والبيئة الحاضنة التي يترعرع وسطها والمناخ العام المحيط به تؤثر سلباً أو إيجاباً على شخصية المرء بقسميها :
- العقلية.. و
- النفسية..
المزاجية.. والعاطقية..
الذهنية.. والروحية..
ولعل أجود ما يمكن الاستناد إليه بخصوص الوسط الفاسد والبيئة العطنة ما قيل تحذيراً.. فقد: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- خَطِيباً فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ"!؛.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟
قَالَ: "الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ "..
وآفة هذا القول مع واقعيته أنه حديث ضعيف جداً.. ويصلح للإستئناس به مع بيان حال الضعف فيه كما قال السادة العلماء!
ومع ضعف الحديث إلا أنه يصح الاستفادة من مفردات الكلام لبلاغتها لُغوياً
فـ:
تُعرف الدِمن في اللغة العربية أنها ما يتراكم من أرواث الإبل والأبقار والغنم مخلوطا ببولها ومخالفاتها في أماكن استراحتها أو رعيها أو مرابطها في حالة تراكم هذه القاذورات التي تتراكم بعضها فوق البعض.. وتسمى دِمنة..
و
من الجدير بالذكر أن هذه القاذورات يمكن أن تظهر في الحشائش الخضراء.. تسمى تلك الحشائش باسم خضراء الدِمن وتُنسب إلى مكان تكونها من هذا الروث والقاذورات.. يمكن تعريف خضراء الدِمن بأنها النباتات التي تثمر في المزابل والقاذورات..

ما معنى كلمة الدِمن!
يقصد بكلمة الدِمن في اللغة العربية أنها ما تبقى من آثار وبقايا الديار والسكان بعد رحيلهم.. ويقصد بها أنها المزيلة..
كما ولا يصح ما نُسب روايته إلى عبدالله بن عباس: النَّاسُ معادنٌ.. والعِرقُ دسَّاسٌ.. والعِرقُ السُّوءُ كالأبِ السُّوءِ ".
[انظر: ابن الجوزي ".في العلل المتناهية ".[ ج: 2/ 616 ].. لا يصح
.. و
بل وتؤثر على المرء سمو اللغة التي يسمعها ورفعتها ويتكلم بها ورقيها وسعتها وتأثيرها .. أو سذاجتها وبساطتها ورداءتها تلعب دوراً في تنشئة الأطفال.. وتصاحبهم حتى يسيروا كبارً..

و
المسألة الهامة قبيل موسم الخريف والشتاء هي الصحة: البدنية.. العقلية.. النفسية الروحية!

تميز إسلام خاتم الأنبياء بأنه طرح مجموعة راقية مِن
- الأفكار الجديدة الصالحة للإنسان.. لم يسبقه أحد إليها عن الآله والإنسان والحياة والكون.. كما أوجد كتلة مِن
- القيم العالية و
- المقاييس الجيدة و
- المفاهيم الحسنة و
- القناعات السامقة داخل المجتمع المكي ومِن ثم الكيان المدني وسيَّرها جميعاً بـ
- نظام خاص به.. وغياب واحدة من هذه الست تنهدم المنظومة الإسلامية بأكملها.. إذ أن التميز الثاني أن طرحه للفكرة الواحدة صحبها مباشرة كيفية التطبيق.. وطريقة التنفيذ.. فتحدث عن العبادة -مثلاً- وهي فكرة تنظيم العلاقة بين العبد والمعبود.. ومباشرة قال بعدها :
"صلوا كما رأيتموني أصلي"..
أو "خذوا عني مناسككم"..
أو بين أنصبة الزكاة ومستحقيها.. وهكذا..
و
التميز الثالث أنه أوجد هذه المجموعات والكتل من الأفكار والقيم والمقاييس والقناعات والمفاهيم تحت مبدأ واحد تنسجم فيه جميع مكوناته فيسهل التطبيق ويصلح التنفيذ.. نظام الإسلام.. فيسعد الإنسان وتزدهر الحياة ويُسلم الكون..
ولما كانت الجاهلية الجهلاء تعج بكثير من الخرافات والأوهام والتروهات التي لا تستند إلى برهان.. أو دليل عقلي.. أراد إسلام خاتم الأنبياء أن يقي أتباعه من تلك الأباطيل.. فأنكر ما كان يعتقده المشركون في هذه الأشياء المذكورة في الحديث(1).. فبعضها نفى وجوده أصلا كالطيرة.. والبعض الآخر نفى تأثيره بنفسه..لأنه لا يأتي بالحسنات إلا الله.. ولا يدفع السيئات إلا هو -سبحانه وتعالى-.. فـلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم لإصلاح النفوس.. وإبطال الخرافات.. وتربية الأمة وهدايتها إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
-*/*-
علَّم نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلَّم - ابنَ عبَّاس - رضي الله عنهما - وسائرَ الأمة - المعتَقد السليم بقوله: « „ واعْلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء.. لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.. ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء.. لم يضروك إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك.. رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف “ »..

و
هذا الأمر صلبُ مُعتقَد المُسلم.. إذْ هو ركن من أركان الإيمان.. ولا يصحُّ إيمان العبد بدونه مع سائر الأركان..
كما في جوابه - صلى الله عليه وآله وسلَّم - لمَّا سأله جبريل - عليه السَّلام - عن الإيمان.. فقال: « „ أن تُؤْمن بالله وملائكته.. وكتُبِه ورسله.. واليوم الآخر وتؤْمن بالقدَر خيرِه وشرِّه “ ».. وفي رواية: « „ حُلْوه ومرِّه “ »..
مسألة البحث الــ عَدْوَى

.. جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « „ لَا عَدْوَى “ »(2).. فرد أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ„ يَا رَسُولَ اللَّهِ!.. فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا “..
هنا تأتي قمة الإسلام وهي الميزة الرابعة في عملية تصحيح المفاهيم الخاطئة ووضع الخط المستقيم بجوارالخط المعوج فرد -عليه السلام- بقوله فأسكته: قَالَ« „ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ “ »..
ولم يترك الأمر هكذا بل جاء في السنة النبوية الكيفية العملية فـ فِي رِوَايَةٍ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ « „ لَا عَدْوَى “ ».. وَيُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : « „ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ “ »..
..
وهنا يأتي تساءل:

ما الذي يدعو نبي -في التصور الذهني الخاطئ - يتحدث [فقط] عن علاقة عبد بـ معبود فـ يتكلم في مسألة صحة إنسان وعافيته.. بل يتخذ إجراء جديد.. ولعله وأهمها إيجاد فكرة

[(الطب الوقائي)]
منذ أكثر 1446 عاماً
واستحداث فكرة

[(الحجر الصحي)]..

منذ أكثر 1446 عاماً

وهذا ما قد نوهت إليه في بداية مقالي هذا..
أقصد وضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج وتصحيح المفاهيم الخاطئة!.. وهذه خاصية علوية سماوية ثم نبوية رسولية.. قام كافة الرسل وكل المرسلين في تصحيح سلوكيات البشر وتصرفات الناس.. لا تخص خاتم الرسل فقط.. بل كل من سبقه من السادة الأنبياء والرسل!

ثم تأتي الميزة الخامسة للإسلام.. إذ بيَّن أنَّ :" كلٌّ مِن السموات والأرض مخلوقة بِحِكْمَهٍ وَلِحِكْمَةٍ.. والله وَحْدَهُ الذي يمسكهما.. كما قال - جل في علاه -: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].. فما خلَق الله - عزَّ وجلَّ - شيئًا إلاَّ لحكمة.. طَهُرَ أم خَبُث(!).. وهذا معتقَد كلِّ مسلم.. كما حكى ذلك شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة بقوله: „ والرَّبُّ - تعالى - لا تُقاس أفعاله بأفعال عباده.. فهو يَخلق جميع ما يخلقه لِحِكمة ومصلحة.. وإنْ كان بعضُ ما خلقه فيه قبْحٌ.. كما يَخلق الأعيان الخبيثة كالنجاسات وكالشياطين لحكمة راجحة “.. وقال: "فلم يَكُن في الموجودات التي خلَقَها الله ما هو شرٌّ مطلقًا عامًّا.. فعُلِم أنَّ الشر المخلوق الموجود شرٌّ مقيَّد خاص.. وفيه وجه آخر هو به خير وحسن.. وهو أغلب وجْهَيه.. كما قال - تعالى -: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 7].. وقال - تعالى -: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88].. وقال - تعالى -: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الحجر: 85].. وقال:﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران: 191]..

وقد عَلِم المسلمون أنَّ الله لم يخلق شيئًا ما إلا لحكمة.. فتلك الحكمة وجْه حُسْنه وخيره.. ولا يكون في المخلوقات شرٌّ محْضٌ.. لا خير فيه ولا فائدة فيه بوجْه من الوجوه..

وبهذا يظهر معنى قوله: « „ والشر ليس إليك “ » وكون الشرِّ لَم يُضَف إلى الله وحْده.. بل إمَّا بطريق العموم.. أو يضاف إلى السبب.. أو يُحذف فاعله.. وهذا من الأدب مع الله - تعالى - وله نظائِرُ كثيرة في القرآن الكريم.. كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين﴾ [الشعراء:80] .. فلم تأتي العبارة فإذا أمرضني!!.. مع أن الفاعل هو الله تعالى..
وقال: "فإنَّ الموجود خلَقَه الله - تعالى - والله لم يخلق شيئًا إلا لحكمة.. وتلك الحكمة وجْهُ خيرٍ.. بخلاف المعدوم فإنَّه لا شيء".
..
أما
الميزة السادسة والتي بيَّنها إسلام خاتم الأنبياء فهي مسألة : أنَّ الخالق العظيم أدْرى بمَن وما خلق.. كما في قوله - تعالى -:﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].. وهو أدرى بما يصلح عباده.. كما في قوله - تعالى -: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 140].
..
تصحيح مفهوم:

كلمة (لا عدوى) المنفية شرعاً: هي ما كان يعتقده العرب في جاهليتهم مِن أنَّ الأمراض تُعْدي بطبعها.. بذاتها.. لا بأي شيء آخر.. فهم لا يسمون انتقال المرض من العليل إلى السليم بواسطة الميكروبات أو الطفيليات أو البكتيريا أو الجراثيم.. لا يسمون ذلك عدوى!
قالوا: „ حتى لو كان في شعر امرأةٍ وثيابها قملٌ كثير.. فقامت إلى جانبها امرأةٌ أخرى.. ثم بعد أيام قَمِلَ شعرُ الأخرى وثيابها لما سمَّوا هذا عدوى.. لأنهم يعرفون أنه لم يكن للمجاورة نفسها.. وإنما دبَّ الفعلُ من تلك إلى هذه ثم تكاثر.. “..
[ الأنوار الكاشفة للمعلمي اليماني (ص: 199)].
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : „ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وَتَعْتَقِدُهُ : أَنَّ الْمَرَضَ وَالْعَاهَةَ تَعْدِي بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى “..
قَالَ الْقَاضِي : „ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « „ لَا عَدْوَى “ » فَقِيلَ : هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ.. أَوْ يُعْتَقَدَ.. وَقِيلَ : هُوَ خَبَرٌ.. أَيْ لَا تَقَعُ عَدْوَى بِــ طَبْعِهَا “..
أما : قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « „ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ؟ “ »
.. مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ الَّذِي جَرِبَ مَنْ أَجْرَبَهُ(!!).. أَيْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَتَعْتَرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُلَاصَقَةٍ لِبَعِيرٍ أَجْرَبَ.. فَـ اعْلَمُوا أَنَّ الْبَعِيرَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَمَا بَعْدَهُمَا إِنَّمَا جَرِبَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ.. لَا بِعَدْوَى تُعْدِي بِطَبْعِهَا.. وَلَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى بِالطَّبَائِعِ لَمْ يَجْرَبِ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ [(وجود)] الْمُعْدِي.. فَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا..
.. وإذًا.. فليس المراد بالنفي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: « „ لا عدوى“ » نفي ذات العدوى.. فإنها ثابتة على أنها من الأمور المادية.. وإنما المراد نفي صفتها المزعومة في الجاهلية.. وهي أنها مؤثِّرة بطبعها وذاتها.. ولا شك أن نفي الذات أبلغ من نفي الصفات.. لأن نفي الذات يَستلزِم نفي الصفات من غير عكس.. أضف ضعف جهاز المناعة في الإنسان..
..
وضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج:

قال النووي :" وَأَمَّا حَدِيثُ « „ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ “ »..
.. فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يُورِدُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ إِبِلَهُ عَلَى إِبِلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ.. لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهَا الْمَرَضُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ الَّذِي أَجْرَى بِهِ الْعَادَةَ.. لَا بِطَبْعِهَا.. فَيَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا ضَرَرٌ بِمَرَضِهَا.. وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا.. فَيَكْفُرُ.. وَاللَّهُ أَعْلَمُ..
.. فَأُرْشِدَ فِيهِ إِلَى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي الْعَادَةِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ..
المحصلة :
قال النووي : „ فَــ نَفَى فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا.. وَلَمْ يَنْفِ حُصُولَ الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلِهِ..وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى الِاحْتِرَازِ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدَرِهِ “..
..
ويتبقى عند البعض تشويش في الفهم يجب إزالته !.. ويعود ذلك إلى ما يبدو أنه تعارض بين الأقوال..
1. ] إذ يوجد نص نبوي رواه البخاري وغيره بلفظ يقول : « „ لا عدوى...وفر من المجذوم كما تفر من الأسد.“ » (3)
2. ] وفي رواية عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم- أكل مع مجذوم، وقال: « „ ثقةً بالله وتوكلاً عليه “ »..
3. ] ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « „ لا عدوى “ »..
4.] وفي رواية أخرى لأبي هريرة- رضي الله عنه: « „ لا يوردن ممرض على مصح “ »..
.. وقد جمع أهل العلم بينهم بأن الأمراض لا تعدي بطبعها.. بل الله تعالى هو الذي يجعلها سبباً لما ينجر عنها من الإصابة والانتقال.. أضف مسألة نقص المناعة في جسم الإنسان فيسهل على الجرثومة التأثير على خلايا بدن الإنسان..

قول أهل العلم الشرعي:

قال ابن حجر في فتح الباري من ضمن مجموعة من المسالك في الجمع بين الأحاديث: „ المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه.. نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله.. فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي.. ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها.. ففي نهيه إثبات للأسباب.. وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل.. بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئاً.. وإن شاء أبقاها فأثرت.. والله أعلم..
ولعل قصة إلقاء خليل الرحمن-عليه السلام- في النار إثبات لقدرة الله تعالى في سلب الأشياء خواصها..

ويتبقى قول أهل العلم المدني.. أي الأطباء..

.. جاء حديث في الصحيحين الآمر بعدم القدوم على بلد الطاعون وعدم الخروج منه فرارا منه.. وذلك حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-:« „ إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه.. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. “ ».. ولكن ثبتت أحاديث تفيد أنه ما من داء إلا وله دواء.. ففي الحديث: « „ لكل داء دواء.. فإذا أصيب الدواء برأ بإذن الله تعالى “ » [رواه مسلم].. وفي الحديث: « „ تداووا عباد الله.. فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء.. غير داء واحد: الهرم “ » [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني].. وعموم هذين الحديثين وما ورد مما هو في معناهما يفيد إمكانية دواء المطعون ومشروعية بحثه عن العلاج.. وقد شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- التحرز في الأدواء[(الأمراض)] المعدية وأرشد الأصحاء لمجانبة أهلها كما بسطه ابن القيم في „ زاد المعاد “ واستدل له بأحاديث منها حديث الصحيحين: « „ لا يوردن ممرض على مصح “ ».. وبناء على هذا.. فإنه إذا تيسر للطبيب وسائل وقائية تقيه بإذن الله تعالى من إصابة العدوى فلا حرج في معالجة المطعون.. ولا شك أنه قد توفرت الوسائل العلمية في هذا العصر الحديث.. فكثير من المستشفيات تتوفر فيها الغرف المعقمة المخصصة للأمراض المعدية والمخصصة للعلاج.. أو ما يسمى بـ[الحجر الصحي].. وتوجد بها الملابس المعقمة التي يلبسها الداخل على المرضى.. وتوجد بها الكمامات الواقية والجوارب اليدوية التي يلبسها الأطباء.. وأما إن لم تتيسر الوسائل الوقائية.. فإن البعد عن صاحب المرض المعدي هو الأصل.. كما يفيده حديث الصحيحين: « „ لا يوردن ممرض على مصح “ ».. وحديث البخاري: « „ فر من المجذوم كما تفر من الأسد “ ». والله أعلم..
..فالظاهر لي -والله أعلم- أن كل حديث له حالته الخاصة به.. وإن كانت الأحاديث تتحدث عن مسألة واحدة : المرض والجرثوم والعدوى.. وضعف جهاز المناعة..
..
والسؤال الهام :
كيف نقوي جهاز المناعة في جسم الإنسان!؟..

الأسباب موجودة بقدر الله وقدرته: ونحن مطالبون بمعرفة هذه الأسباب.. واتخاذها في الحسبان.. فإن هذا لا ينافي كمال التوحيد.. ولكن الذي ينافيه: هو الاعتقاد في الأسباب أنها وحدها فاعلة بذاتها.. لا يُنظر إلاَّ إليها.. ولا يثق إلا بها.. وينسى أن الله -سبحانه وتعالى- هو خالقُ الأسباب يصرفها كيف يشاء.. فلا ينبغي على المؤمن أن يتوكل على غير الله عز وجل.. ومع ذلك.. عليه أن يتخذ من الأسباب ما ينفعه في حياته.. مع العلم بأنها مربوبة مقهورة بيد بارئها وخالقها..
والإجابة في هذا الزمان سهلة وميسورة فقد وزعت وزارة الصحة على الأطباء جداول بتوقيت التطعيم واللقاحات.. وخاصة بداية من شهر سبتمبر الحالي.. كما توجد 30 كابسولة على مدار شهر لتقوية جهاز المناعة للأطفال والكبار.. مثل:
„ Bronocho-Vaxom, 7mg. “..
وأخيرا من فوائد الحديث :
1.] وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه.. وفعل الأسباب المشروعة.. والأخذ بها.
2.] وجوب الإيمان بقضاء الله وقدره.. وأن الأسباب بيد الله وهو الذي يجريها أو يسلب تأثيرها..
3.] إبطال ما يفعله بعض الناس من التشاؤم بالألوان: كالأسود والأحمر.. أو بعض الأرقام والأسماء والأشخاص وذوي العاهات. أو الحيوانات..
4.] في النهي عن القرب من المجذوم ومثله أصحاب الأمراض المعدية.. هو من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها.. فالأسباب لا تستقل بذاتها.. بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئًا.. وإن شاء أبقاها فأثرت..
وعليه: .. فالعبد الصادق العبودية لا يُنكِر الأسبابَ المادية ولا يُهمِلها.. كما لا يُبالِغ فيها مبالغةً تُنْسيه أنها خاضعة لإرادة خالق الأسباب والمسببات.. رب الإنسان.. والأرض والسموات والحياة والكون..
وعلينا اعتماد الطب الوقائي.
.
« „ ربي.. أرحم عبدك “ »
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) « „ لَا [ ( 1. ) ] عَدْوَى وَلَا [ ( 2. ) ] طِيَرَةَ وَلَا [ ( 3. ) ] هَامَةَ وَلَا [ ( 4. ) ] صَفَرَ وَلَا [ ( 5. ) ] نَوْءَ وَلَا [ ( 6. ) ] غُولَ وَلَا [ ( 7. ) ] يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ “ »..كما جاء في صحيح مسلم..
معاني ألفاظ الحديث :
لا عدوى:
العدوى اسمٌ من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله.
فـ لا: نافية للجنس.. وعدوى اسمها مبني على فتْحٍ مُقدَّر منع من ظهوره التعذُّر.. وخبرها محذوف تقديره: مؤثِّرة بطبعها وذاتها.. أو تقديره: موجودة أو ثابتة بهذا المعنى الجاهلي.. وإلا فإنها موجودة وثابتة على معنى أنها سبب من الأسباب المادية التي بها قد يَحصُل المرض.. • والعدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح.. يقال: أعدى فلان فلانًا من خُلُقه.. أو من عِلَّة به.. أو من جَرَب.

ولا طيَرة:
الطيرة هي: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص وقوله: (ولا) يحتمل أن تكون نافية أو ناهية والنفي أبلغ.
ولا هامة:
الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.
ولا صفر:
قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك.
ولا غُول:
الغُول جنسٌ من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فجاء الحديث بإبطال ذلك، وبيان أنها لا تستطيع أن تضل أحداً أو تهلكه.
لا نوء:
واحد الأنواء، والأنواء: هي منازل القمر، فالعرب كانوا يتشاءمون بالأنواء، ويتفاءلون بها.
(2) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(3) حديث صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
19 ربيع الثاني 1446 هـ ~ 22 سبتمبر 2024م.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ







  رد مع اقتباس