الراعى والغزلان بقلمى

[أنا مصرى]

هناك فى تلك الضيعة ، والتى اتخذ سكانها من الرعى حرفة لهم ، وقد اقتسموا تلك الضيعة فيما بينهم ، وبنوا فى كل ضيعة اكواخا من طينها ليس حبا فيها ولكن استغلالا لها ولمعرفتهم الجيدة بافضل انواع تربتها ، بل كانوا يبتعون لاهل الصحراء تلك التربة وبالطبع النفع العائد لهم ، وكانت السمة الغالبة على هؤلاء الرعاة هى عكس البيئة المحيطة بهم ، يبدو انهم اكتسبوا صفات اخرى لا تمط بصلة بصفات تلك البيئة وتلك الارض، فكلها خبيثة ورديئة وغير حميدة ، تعددت تلك الصفات وتمكنت منهم ومن شخصهم
ساذكر البعض منها وحلق بعقلك لتدرك الباقية ،صفات الانانية لدرجة النرجسية والاستبداد وازهاق رقاب الرعية ان خالفوا الاوامر وطالبوا باقل القليل من الحياة والاستغلال لكل من حوله بما فيها تلك الارض التى شهدت مولدهم وحياتهم وحياة اجداهم ، والكذب والخداع ، وجلد ماتحت ايديهم من اغنام وحملان وغزلان والنذالة فى كل الاوقات مع الجميع حتى مع الكلاب الحامية له وللاغنام والحملان والغزلان .

وفى يوم من الايام جمع هذا الراعى الغير أمين على رعيته جميع رعيته من اغنام وحملان وغزلان، وقال لهم لقد اتخذت بعض القرارات ويجب ان تنفذوها دون أدنى اعتراض، ومن يعترض فسوف يحاسب ويعاقب عقابا عسيرا ، ارتجفت الاغنام من الرعب وهذا هو حالهم دائما وسبب بقاء تبعيتهم للراعى وتنفيذ كل اوامره، ليس حبا له ولكن خوفا بل رعبا منه ومن المصير المجهول لهم ، وكان لسان حالهم يقول يحدث مايحدث المهم اننا مازلنا على قيد الحياة نأكل وننام ونعمل كالعبيد طوال النهار ، نمشى بجوار الحائط وان كان بدا نمشى بداخلها ، اما الحملان فقد تضاربت مشاعرهم بين الخوف والقلق واللا مبالاة لانها لن تكون هذه القرارات اسوء مما هم فيه الان ، فالحياة والموت فى نظرهم سواء ،اما الغزلان فكانت لايعجبها الحال وكانت فى داخلها قهر وبركان من شدة الظلم والبطشوالاضطهاد ، ولان الراعى كان يهوى اكل الغزلان لان لها طعم ومذاق آخر ، ولانه كان يقرأ عدم رضاهم فى اعينهم ، فكل يوم يفقدوا عضوا منهم واصبحوا اقل عددا من الحملان والغزلان وحتى الكلاب .
اما الكلاب فكانت واقفة تراقب الجميع وتسجيل وقع القرارات على الجميع وردود فعلهم وابلاغ الراعى بكل التفاصيل ، والاستعداد فى نفس الوقت للنباح والتصفيق للقرارات سواء ماعرفوا بعضها او لم يعرفوها هو حالهم دائما النباح، نباح الفرح للتهليل ونباح الغضب للدفاع عن الراعى، ونباح التخويف والرعب لمن اراد القرب من كوخ الراعى ، ونباح التعذيب لم يعصى الاوامر من تحت امرة الراعى ،
وبعد ان القى الراعى القرارات ، كانت نفس ردود الافعال لكل صنف بالضيعة لم تتغير الا أن هذه المرة لم يكن رد فعل الغزلان عاديا ككل مرة سابقة ، فقد اضمروا داخلهم قرارا واحدا ،وفى نفس اللحظة ولم تمضى لحظات حتى انطلقوا جميعا بعيدا عن كل الأعين ومن هول المفاجأة للجميع لم يحركوا ساكنا حتى الراعى وكلابه التى كانت حاسة الشم وقراءة العيون قوية ، وبعدها ادركت الكلاب ماحدث ،
وارادت ان تتدارك الموقف وحتى لايصب الراعى جام غضبه عليهم ، انبروا جميعهم جريا لمحاولة الامساك بالغزلان ، ولكن..هيهات وهيهات بعد فوات الاوان .
عاد الراعى الى كوخه يعتريه الغضب والحيرة والانتقام ممكن عصوا امره ولاذوا بالفرار من بين يديه ، اما الاغنام فبعد حالة الرعب والخوف والتى تحولت الى صدمة من المفاجئة ، تحولت الى شعور غريب ولكنه جديد عليهم ولكنهم كانوا فى حالة ترقب لما سيحدث ، مشاهدين لكل الاحداث وظلوا فى أمكانهم لم يتحركوا ، اما الحملان فقد شارك بعضهم نفس مشاعر الاغنام والبعض احس بسعادة دفينة داخله وشعور بالراحة ،وقد استشرقوا املا فى فك قيدهم من هذا الراعى القاسى عليهم الظالم لهم والقاتل لاحلامهم وخاصة من كانوا عادة غير مبالين لما يحدث لان الموت والحياة عندهم سواء، الا ان ذلك الحدث اعاد لهم الروح والتشبث بالحياة من جديد.
وفى الصباح عادت الكلاب بأحد الغزلان بعد ان انقضوا عليه وقتلوه ، فاذا بالراعى الذى لم يذق طعم النوم طيلة الليلة
وقد وقف منتظرا للخبر وفى داخله شعورا بان كلابه ستؤدى المهمة وتعود بالغزلان الضالة ، الا انه فوجىء عندما رآهم والخزى والغضب يكسو وجهوهم ، واذا به يهب فيهم غاضبا متوعدا لهم ان لم يعودوا بالغزلان خلال ساعات.
فكرت الكلاب كثيرا وقررت ان تستعين بالذئاب ، للبحث عنهم والعودة بهم مقابل أعظم المكافات وهو العيش فى ظل الراعى وحماية الكلاب ايضا ، بشرط عدم التعرض لاى احدا من الاغنام او الحملان اوحتى الغزلان الا بامر من الراعى ومن الكلاب ، واتفقت الكلاب مع الذئاب بعد اخبار الراعى بذلك ، ووافق هو الاخر لانه سوف يحقق مبتغاه ، وهو ان يظل هو الامر الناهى وله الطاعة والعيش دائما فى النعيم متفردا عن الجميع ، فحب الذات والجشع تميت الضمير، وتميت القلب وتحيى فيه الكره والحقد والقسوة والاستبداد ،

انطلقت الكلاب والذئاب فى كل مكان باحثة عن قطيع الغزلان ، وبعد جهد جهيد وبحث مستفيض ، قد عرفوا مكانهم ، فقد تجمعوا فى مكان واحد وفى نفس الارض التابعة لضيعتهم ، وقرروا ان لا يعودوا ابدا فقد شعروا بالحرية لاول مرة منذ ان ولدوا ، ولكن هيهات وهيهات ان يدوم هذا كثيرا لان هناك من يترصدهم من بعيد ، ولن يكل ولن يأن الا بعد القضاء عليهم او الامساك بهم .،

وفى لحظات اندفعت الكلاب والذئاب نحو قطيع الغزلان فاصابت من اصابت ، وقتلت من قتلت ، لكن ذلك لم يخيفهم ولم يرهبهم ، لانهم اختاروا طريقا واحدا وهو الحرية والعيش بعيدا احرار ، ولاول مرة أحسوا داخلهم بعزة النفس دون ذل او اهانة او قهر اواستعباد ، فقد اقسموا ان لايعودوا ابدا حتى وان دفعوا حياتهم مقابل هذا ، ولانهم ادركوا ان للحرية ثمن باهظ وغالى لابد ان يدفع بعملة الدم والروح وهى لن تهدى لهم ولن تهب لهم ولن تعطى لهم ولكنها يجب ان تنتزع من فم هذا الراعى الظالم .

واعادت الكلاب الكر والهجوم عليهم مرات ومرات ولكنهم لم يفلحوا فى تحقيق غرضهم ، لان الغزلان قد تحولت الى اسود واشبال ، لان الحق يهب القوة والجسارة.
وعندما احسوا ان هذه الوسيلة لم ولن تفلح ، رجعوا يجرون ذيول الخيبة والهزيمة وقد حملوا قتلى الغزلان عائدين به الى الراعى ، وما ان رآهم من بعيد قادمين اليهم حتى اشطاط غيظا وغضبا و هب فيهم وقد ظهرت خفايا نفسه المضطرة والمريضة والجبن والرعب على ضياع مجده ، وانتفخت عروقه واحمر وجه العبوس وظهر اكثر عبوسا وجحظت عيناه من شدة الغضب ، الا ان الكلاب هدأت من حالته ، وقالت له هدىء من روعك سيدى الراعى ، لقد عثرنا عليهم ، فاجابهم مسرعا ولماذا لم تاتوا بهم هنا ، فقالوا حاولنا كثيرا لكنهم استماتوا دفاعا عن انفسهم ، فالقوة لن تاتى بهم لابد لنا من حيلة ماكرة وخديعة محبوكة ،

وفجاة امر الراعى الكلاب باحضار الثعالب حالا، لان الثعلب يجيد المكر والخداع ، واثناء ذلك الاجتماع ، وقد ذاع الخبر فى الضيعة كلها ما حدث ، وقد عرفت الاغنام والتى مازال يعتريها ذلك الشعور الغريب والجديد ظلت كما هى متفرجة على كل مايحدث ، تتدارى باعينها عن الجميع لان الخوف مازال يتملكها ، اما الحملان فقد غمرتها السعادة وترجمت شعورها بالسعادة الى موقف وفعل ايضا ، فقد قرروا ان ينضموا الى الغزلان لانهم ادركوا ان نداء الحرية يناديهم الان، فهذا الوقت المناسب لهم ليعبروا عما سكن بداخلهم سنينا ،
فانطلقوا سريعا بعد ان عرفوا مكان الغزلان ، فقابلتهم الغزلان فرحين ومرحبين بهم ، وبزيادة قوتهم .
واجتمع الراعى وعصابته ، اجتماعا مغلقا بعيدا عن كل الانظار ، وعن عيون الاغنام، وبدأوا فى التشاور والوصول لحيلة تعيد الامور الى ماكنت عليه قبل اياما معدودات ، وتوصلوا لحيلة ظنوا انها ستكون ناجعة لتمرد الغزلان والحملان .
اما الغزلان والحملان فقد ايقنوا ان الراعى واعوانه لن يتركوهم لحال سبيلهم ابدا وانهم يجب توقع عدوانا عليهم فى اى لحظة ، ولذلك اقاموا سياجا حولهم لعله يحميهم من عدوهم ، وقاموا ايضا بتنظيم صفوفهم وحصر اعدادهم ،
واثناء ذلك لاح لهم فى الافق قطيع من الاغنام ، قادمون اليهم ، وبقدر فرحتهم بقدومهم اليهم بقدر عجبهم الذى ملأ نفوسهم ، لانهم يعرفون الاغنام جيدا ليس لها رأى ولا قرار ،فهى مسالمة مستسلمة تابعة تنساق وراء الاخرين ، تاكل وتنام ، غائب عقلها عن الفكير فى معظم الاحوال ، من اجل ذلك كان التعجب .
وانضم هذا القطيع الى الجميع ، واعلنوا للغزلان وللحملان بانهم قد اتوا هنا من اجلهم ومن اجل حمايتهم من بطش الراعى واعوانه ، وابلغوهم اننا سنظل معكم ومصيركم ومصيرنا واحد ، ارتسمت علامات الدهشة على الجميع ،
من موقف الاغنام ، وذاد الامر دهشة عندما اصروا على حراسة المكان بالليل اثناء النوم ، فوزعوا انفسهم حول السياج ، وخلد الجميع للنوم ، وفى الصباح استيقظت الغزلان والحملان على انهار من الدماء كانها اطلال معارك حربية ضارية، ولا اثر للجثث الا الدماء ، وقد لوحظ ان جميع القتلى هم من الحملان والغزلان ، اما الاغنام لم يصبها اى جرح او نقص فى الاعداد ، وهنا سرى الشك والريبة فى نفوس الجميع ، وعليها قرروا بان لن يتركوا الاغنام وحدها تحرس المكان بل على الجميع المشاركة فى ذلك ، وفى الليلة التالية ، تم هجوم عليهم من قطيع اخر ولكن هذه المرة من الغزلان، تساءل الجميع ماهذا؟؟؟ كيف للغزلان ان تهاجم الغزلان ؟؟؟والحملان تهاجم الحملان ؟؟؟، ولكنها فى نفس الوقت لم تهاجم الاغنام لانهم ظلوا بعيدا عن الموقف ، كعادتهم ،
وفى الصباح اتى اليهم اعوان الراعى يزف اليهم خبر وفاة الراعى الآن ، وقد آن لهم الاوان العودة والعيش فى امان وسلام ، ولن يكون عليكم بعد اليوم حاكما اوسلطان فانتم جميعا الان احرارا فانعموا بحياتكم كما تشاءون ، فانتشر الخبر فى كل مكان وهو موت الراعى الظالم المستبد ، وتأكد الخبر للغزلان والحملان ، بأنهم اتوا بجثة الراعى اليهم فى مكانهم،
وفرحت الغزلان والحملان فرحا شديدا ، وظنوا ان الامر انتهى وانهم نالوا حريتهم وتخلصوا من ذلك الراعى الظالم...
ولكنهم اكتشفوا بعد ان عادوا الى مكانهم الاول وتركوا ارضهم التى شهدت مولد حريتهم ، انها كانت حيلة وخدعة من الراعى واعوانه ،
لانهم قد وجدوا اقنعة كثيرة ملقاة على الارض، اقنعة للاغنام وللحملان وللغزلان انفسهم ، وادركوا ان الذئاب والكلاب والثعالب قد استخدموها ، واكتشفوا ان الاغنام التى انضمت اليهم ماهى الا كلابا وذئابا وثعالبا ،
وان الجثة التى شاهدوها ماهى الا زيفا و قناعا ايضا ، وبقى الحال كما كان الا تغييرا طفيفا فى الضيعة..
فالراعى لم يمت ، وبقى كماهو حتى وان اصابه المرض والوهن ، والاغنام واقفة فى مكانها والغزلان فرت مرة اخرى الى ارض الحرية والحملان بقى بعضها ولحق البعض بالغزلان هناك .

سؤال :الى اى نوع ننتمى نحن الآن ؟ الأغنام ام الحملان ام الغزلان؟

الحل : الثورة مستمرة وسوف ننتصر... ويسقط يسقط حكم العسكر

[color="rgb(255, 0, 255)"]أنا مصرى و رافع رأسى

[/color]

[۩۩ سيد الشرقاوي ۩۩]

لا مبدع ياغااالي
تسلم علي الانتقااء
الطيب دي منك لك احترامي
قصه جميله اوي منورررناا

[اميرة ابراهيم]

قصة رائعة اخى اشكرك على مجهودك الرائع

[أنا مصرى]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيد الشرقاوي لا مبدع ياغااالي تسلم علي الانتقااء الطيب دي منك لك احترامي قصه جميله اوي منورررناا

بل المنتدى منور بوجودك ،وامتد نورك الى صفحتى اخى الكريم
حقا شكرا لك على زيارتك الغالية وعلى طيب حرفك ،ورقة استقبالك
تحياتى

[أنا مصرى]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اميرة ابراهيم قصة رائعة اخى اشكرك على مجهودك الرائع

بارك الله فيك اختى على مرورك العطر ومشاركتك الطيبة
انرت المكان بطلتك ، واسعدتى قلمى ، اسعدك الله اختى
تحياتى

[booody99]

قصة معبرة فعلاً ومؤثرة

واستفدنا منها ومن كلماتك الراقية

سلمت الأيادي على الطرح القيم

كل الأحترام والتقدير

[أنا مصرى]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة booody99 قصة معبرة فعلاً ومؤثرة واستفدنا منها ومن كلماتك الراقية سلمت الأيادي على الطرح القيم كل الأحترام والتقدير

تشرفت صفحتى وصاحبها بمن زارها الان ، فشكرا لك على الزيارة الغالية وعلى رقة حرفك اخى الكريم بووودى
تحياتى وتقديرى

[قلب وكلمات]

جميله القصة يا مصري

وعلينا أن نختار نحن من أي فصيل

تقديري مع خالص تحياتي

قلب

[أنا مصرى]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قلب وكلمات جميله القصة يا مصري وعلينا أن نختار نحن من أي فصيل تقديري مع خالص تحياتي قلب

شكرا لك اخى الكريم قلب وكلمات ، انرت صفحتى المتواضعة ،بجميل اطلالتك ، وبطيب حرفك
تحياتى وتقديرى

[sokara]

قصه رائعه تحمل كثير من المعانى

مجهود راقى من قلم ننتظر منه المزيد ان شاء الله

دمت بخير وتقبل تحياتى
والتقيم والتثبيت