ثباتُهـا على الحـق..

[أبو المعالي]

ثباتُهـا على الحـق..


قبل ما يُقـارب خمس وعشرين سنة، وفي جنوب المملكة العربية السعودية، كانت هناك قرية بدائيـة، لا تعرف تطوراً ولا تـقدُّم، يعيش فيها قليل من الناس، قد فشا في تلك القرية الجهـل، وظهرت فيهم بعض العادات التي تُخالف ديننا الحنيف.

ويخرج من تلك القرية ذلك الشاب، الذي خرج من قريته ليلتحق بإحدى الوظائف العسكرية، قضى فيها أيام وليالي، الـتـقى خلالها ببعض العلماء والدعاة الفُضلاء الذين جاءوا للـتوجيـة، استمع منهم إلى أحاديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ، واستمع منهم قبل ذلك لآيات من القرآن، فعَلِمَ أنَّ هناك أخطاء في قريته..

وبعد انـتهاء الدورة الأولى في العسكرية، عاد ذلك الشاب إلى قريته في أول إجازةٍ له، عاد وهو يحمل هديه لأمـه وأبيـه، وهي عبارة عن جهاز مسجل، في وقتٍ لم يكن أحدٌ في تلك القرية يعرف هذا الجهاز، أحْضَـرَ ذلك المسجل ومعه عدداً من الأشرطة النافعة، وقدَّمـه لأمـه وأخبرها كيف يعمل ذلك الجهاز..

أخَذَتِ الأم ذلك الجهاز ووضعت الشريط، وإذا بالشيخ يـتكلَّم ويُرتل آيات القـرآن وينـثر على مسامعها أحاديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ، وإذا بالموضوع عن الحجاب، وعن حُرمـة السفور، وعن عادات الجاهلية التي وقع فيها كثير من المسلمين، أصْغَتْ تلك المرأة لحديث الشيخ، وكأنه يتحدث عن حال تلك القرية في جهلها وعاداتها وتبرُج نساءها والإخـتـلاط الذي نشئوا عليه.

لمَّا سَمِعَتْ المرأة ذلك الكلام قامت متأثرة، وذهبت إلى قِطَعٍ من القماش كانت معها، فأخذتها وصنعت منها حجاباً ارتدته، ثمَّ دخلت على زوجها، نَظَـرَ زوجها إلى هذا اللِّبس الذي تلبسه زوجـتـه، سألها: لماذا تفعلين هذا ؟ قالت: أما سَمِعْتَ الشيخ ماذا يقول ؟ ثمَّ استمع الرجل لحديث الشيخ واقـتنع بما عليه امرأتـه.

وخرجت المرأة لـتُـقـابل نساء القرية اللاَّتي تضجَّـرنَّ من مظهرها، وامتنعت عن مصافحة الرجال أو مقابلتهم، غطَّت سائرَ جسدها، غضِبنَ نساء القرية عليها، وغضب كذلك رجال القرية عليها، وقالوا لزوجها: أنت تـتَّهِمُنا أننا أصحاب نوايا سيئة، كيف ننظر إلى زوجتك بالحرام ونحن قد نشأنا سوياً، أنتم تُخالفون عاداتنا وتـقـاليدنا وأصبح الرجل وزوجتـه منبوذين في تلك القرية، إذا دخلوا مجلس انصرف أهل القرية عنهم، ضاقت عليهم الأرض بما رَحُبتْ على الرجل وزوجتـه، فقال الرجل لزوجته في يومٍ من الأيام: لقد عزمتُ على الرحيل من هذه القرية، فقالت له: لماذا ؟

قال: أما ترين أهلنا كيف يُعاملوننا ؟ قالت له: ونرحل ونـترك أهلنا في جهلهم لا ندعوهم إلى الله ؟ قال لها: كيف ندعوهم وقد قاطعونا كلهم، فقالت تِلْكَ الدُرَّة: كلاَّ، ما زالَ في القرية أُناسٌ لم يُقـاطِعونا، فقال لها: مَنْ ؟ قالت: الأطفـال، لم يُقـاطِعونا بعد، ثمَّ ذهبت إلى ابنها وطلبت منه في أقرب إجازة له إذا حضر أنْ يُحضرَ معه جهاز تسجيل آخر وأشرطة أخرى.

عاد الابن في أقرب إجازة، دَفَعَ بالمُسجل والأشرطة إلى أمَّـه، فقامت تِلْكَ الدُرَّة إلى دقيق كان معها، فَعَجَنَتْ ذلك الدقيق وصنعت منه أقراصاً من الخبز، ثمَّ خرجت بخبزها في زمنٍ كَثُرَ فيه الجِياع، وقلَّ فيه الطعام، خرجت إلى ساحة القرية ونادت الأطفال ليأكلوا من هذا الطعام، فجاء الأطفال من كل مكان، وبدأ الأطفال يأكلون من ذلك الطعام، بعد ذلك نظرت إلى أحد الأطفال وقالت له: تعال يا فُلان، فجاء إليها وقالت له: اسمع، خُذْ هذا الجهاز واذهب به إلى منزلـكم وهو يعمل هكذا، وغداً احضره معك.

ذَهَبَ ذلك الصغير فَرِحٌ بهذا الجهاز الجديد، دخل به إلى بيتهم ثمَّ اجتمع أهل البيت حول ذلك الجهاز، وضع الطفل ذلك الشريط ــ ضغط الزر ــ تحدَّثَ الشيخ ــ رتَّـلَ الآيات ــ كرر الأحاديث.

وفي صباح اليوم التالي أتى الصغير وجاءت معه مِنْ خلفه أمـه مُتحجِّبـه مِنْ رأسها إلى أخْمَصِ قدميها، وهكذا كانت تلك المرأة تدفع بالجهاز إلى كل طفل في تلك القرية حتى عادت جميع نساء القرية لله ربَّ العالمين مُتحجَّبات، وحتى أُقيمَ شرعُ الله في تلك القرية.

إنَّــها دُرَّة يا أيتها النســاء، سَمِعَتْ قول الله تبارك وتعالى \" ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحَاً وقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِين \".

فأبَتْ أنْ يكونَ أحدٌ في الدنيا خيراً منها، أو أحسَنُ قولاً منها، فانطلقت تدعوا إلى الله تبارك وتعالى
بكل ثبــات...

هذه القصة من شريط ( دُرر منثورة )

للشيخ / علي باقيس

........

محمد الحمدي

ياله من دين

[بروتيوس]

مشاركاتكـ رائعه ومتميزه