طرائف وفصاحة العرب ( الأصمعى والأعرابى)

[رضا التركى]

يروى الأصمعى بفتح الميم أو ضمها أنه دُعِىَ إلى قِرى طعام

قال فجلسنا نأكل فكان الطعام مليئا بالسمن والعسل

وإذ بأعرابى يقطع غمار الأرض قطعا ويثير وراءه نقعا يعنى غبارا

حتى أتى فجلس على المائدة من غير دعوة وكان يمد يده فى السمن

وكان يرفع يديه حتى يسيل السمن من بين أصابعه فيصنع

فى الغبار الذى على يديه خطوطا قال فأردتُ أن أضحك القوم عليه

فقال ياأعرابى

كأنك أثلة فى أرض هشِ ***** أتاها وابل من بعد رشِ

والأثلة شجرة وأرض هش أى ذات رخاوة ولين والوابل مطر شديد والرش مطر خفيف

فنظر إليه الأعرابى وعينه محمرة وقال الكلام أنثى والجواب ذكر وأنت

كأنك بعرةٌ فى إست كبشِ **** مدلاةٌ وذاك الكبشُ يمشى

قال الأصمعى فضحك علىَّ القوم كلهم وقال يا أعرابى كأنك تجيد الشعر

قال كيف لا وأنا أبوه وأمه قال الأصمعى عندى قافية تريد عطاءا فقال هات ما عندك

قال فأردت أن أعجزه فغصتُ فى بحور اللغة فلم أجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها

فقلت يا أعرابى

قوم بنجد عهدناهم *** سقاهم الله من النَّو ... والنو نجم مضيئ

فقلت أتدرى النَّو ماذا ؟ فقال

نَّوٌ تلألأ فى دجى ليلةٍ *** حالكةٍ مظلمةٍ لو

فقلت لو ماذا؟ فقال

لو سار فيها فارسٌ لانثنى *** على بساطِ الأرضِ منطو

منطو أى بعيد

قال فقلت له منطو ماذا؟ قال

منطوى الكِشْحِ هضيمَ الحشا *** كالبازِ ينقضُ من الجو

الكشح مابين الخاصرة إلى الضلوع فى الجسم وهضيم الحشا أى ضامر البطن والباز من فصيلة العقاب

فقلت الجو ماذا؟ قال

جو السما والريحُ تعلو به *** إشتمَّ ريحَ الأرض فاعلو

فقلت فاعلو ماذا ؟ ويريد أن يعجز الأعرابى فقال

فاعلو لما عِيْلَ من صبره *** فصار نحو القوم يَنْعَو

عيل من صبره أن نفذ صبره. وينعو تعنى صات. أصدر صوتا

فقلت ينعو ماذا ؟ فقال

ينعو رجالا للفِنَى شرعت *** كُفِيتَ ما لاقوا و يلقوا

الفنى أى الهلاك

قال الأصمعى فعلمت أنه لا شىء بعد الفناء ولكن أردت أن أثقل عليه فقلت له ويلقوا ماذا ؟ فقال

إن كنت لا تفهم ما قلته *** فأنت عندى رجل بو

والبو. إذا مات صغير الحيوان من البقر سلخ جلده وحُشِىَ تبنا أو قشا لتتوهم أمه أنه حى فتدر اللبن

البو سلخ قد حشى جلده *** يا ألف قرنين تقوم عنى أو

فقلت أو ماذا ؟ فقال

أو أضرب الرأس بصوانة ********* تقول فى ضربتها قو

صوانة .حجر و قو تعنى صوت الضربة

فقال الأصمعى فخشيت أن أقول له قو ماذا فيضربنى ثم يكمل القصيدة

وفى رواية أخرى قال له قو ماذا ؟ قال

القو فى الرأس له نفخةٌ *** يبين من آثارها الضو

قال فسكتُ خشية أن يضربنى

أما باقى الطريفة للأمانة أنها رويت لغير الأصمعى وإلصقت به ومنهم من قال للأصمعى

ووجد الأصمعى أنه لم يشفى غليله من الأعرابى ووجده ذو فكاهة ومخزن للغة

فاستضافه الأصمعى ولما وصل إلى البيت وجد زوجته قد ذبحت دجاجة

ومن عادة الأعراب أن الضيف يقدم للضيف ليقسم فقال للأعرابى قسم

وكان الأصمعى له ولدان وبنتان

قال الرأس للرأس أى للأصمعى والرقبة للعتبة أى الزوجة

والفخذين للولدين والجناجين للبنتين والباقى للضيف

فأحس الأصمعى بالغبن والخديعة فقال لزوحته فى اليوم الثانى إذبحى خمس دجاجات ففعلت

وقدم للأعرابى كالعادة فقال للأعرابى قسم قال أتريد شفعا أم وترا

قال الأصمعى إن الله وتر يحب الوتر قال الأعرابى

أنت وزوجتك ودجاجة وهذ وتر وابنيك ودجاجة وهذا وتر وابنتيك ودجاجة وهذا وتر وأنا

ودجاجتان وهذا وتر

فقال الأصمعى لالا أريدها شفعا شفعا قال أقيلك ولا أقبل بعدها الإقالة فقال الأصمعى قبلت

فقال أنت وابنيك ودجاجة وهذا شفع . وزوجتك وبنتيها ودجاجة وهذا شفع

وأنا وثلاث دجاجات وهذا شفع . ووالله لا أقبل غير هذه القسمة .

[شاعرة الرومانسيه]

تسلم ايديك

راقى كرقى حرفُك

ننتظر جديدك