التدين المغشوش

[احمد يحي]

اننا نجد فى زماننا هذا أناس كثيرون يُحرمون أموراً اختلف العلماء فى شأنها ، بل

ويتعصبون لها أشد التعصب ويعتبرون أن من يُخالفهم قد كفر ، وغالباً ما يكون تشددهم فى

امور تافهه يشغلون بها الناس عن أولويات الدين .


ومما قرأت للأديب الداعية محمد الغزالى فى هذا الأمر :

"إن المذاهب المادية تستغل أخطاء الفكر الدينى فى إحراز انتصارات كبيرة وتستهوى الناس

بما تقدم من حلول سريعة لمشكلاتهم على حين يتصف المتدينون بالتعقيد ، وضعف الإحساس

بمعاناة الناس .

والقرآن يصف البشرية المصابة بهذا التدين المغشوش وصفاً يجعلها أنزل رتبة من الذين لم

يتدينوا أصلاً " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب

بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم

البينات بغياً بينهم " .



ومع قلة الأيام التى قضيتها فى الولايات المتحدة فقد شعرت بإن الخلاف الفقهى ترك

آثاراً غائرة فى نفوس العامة وربط انتباههم بالأمور السطحية والشئون التافهه ، وليتهم

اهتموا بالعقائد والأخلاق وسيطرت على مسالكهم القيم الرفيعة للإسلام والظروف الحرجة

التى يمر بها الآن .

إن تلاوة القرآن قبل الجمعة قضية تستحق العرض على هيئة الأمم أكثر مما تستحقه قضية كشمير مثلاً !!

وبعض الدهماء يكن فى صدره غلاً لمن يصلى أو لا يصلى تحية المسجد والإمام على المنبر! لمَ هذا الغل ؟ وأين طاحت إخوة الإسلام ؟


إن اليهود يحرمون الخنزير مثلكم ، ويرفضون أنواعاً شتى من الأطعمة ، وقد حلوا

مشكلاتهم فى صمت وعرفوا المحال التى يستريحون إليها أو التى يعتزلونها دون لغط ..

يؤسفنى أنكم هواة كلام وجدل وقد نقلتم سيئاتكم الى مهاجركم وظننتم أن الإسلام يُخدم بطول

الحديث فى الفقه ومذاهبه !!

إننى أنصح مُدرسى الفقه فى بلادنا أن يعدّوا الخلاف واقعاً لا مفر منه ، وأن يعرضوا
وجهات النظر المختلفة بسماحة وهدوء ، فلا عداوة بين إمام وإمام ولا معركة بين مذهب
ومذهب ، وأن يعودوا بالجماهير الى دوائر الأخلاق التى استهانوا بها ، والى جذور الإيمان التى نأوا عنها .



إن بعض الناس ينظر الى شُعب الإيمان كما ينظر الأحول الى مجموعة من السلع فيرى أشياء ويعمى عن أشياء ، ويمضى فى طريقه مستصحباً هذا الحوّل العجيب ، ويؤسس أحكاماً مقلوبة على الأشخاص والأشياء لا صلة لها بالواقع .

وقد لاحظت أن " غاندى " فيلسوف الهند الأكبر قتله هندوكى متعصب ، وأن " رابين " الذى قاد قومه الى نصر هائل سنة 1967 ضاعف به مساحة اسرائيل وأخزى به العرب قتله يهودى متطرف ! وأن " علياً بن أبى طالب " بطل الجهاد الإسلامى قتله أحد الخوارج !!


ـ إنه من مصادر الخطر على حياتنا مواريث الثقافة المغشوشة التى تحتضن البدع

والخرافات ، ولا تعرف عادة من عبادة ولا ركناً من نافلة ولا دنيا من آخرة ، ولا ترسم

للاسلام صورة صحيحة تبرز فيها أجهزته الرئيسية وسماته التابعة ، وأهدافه الأساسية

ومطالبه الثانوية ..

وهناك متدينين يفقدون روح الدين ، ويهتمون بأزيائه وشاراته ثم يجرون فى المجتمع

يُحسنون الاتهام لا التبرئة والهدم لا البناء ، وعلينا نحن أن نحسن التفقيه والتربية وأن نتعهد

البواطن لا الملابس ، والقلوب لا الجلود .