سيناريو : تشيلي والارجنتين.. حرب أم كرة قدم ؟

[الفيلسـوف]

ربما تبعد أمريكا الجنوبية عن الشرق الأوسط ولكن ما حدث اليوم هنا حدث هناك البارحة فالتاريخ ممل وسنته هي التكرار والبشر أغبياء وسنتهم هي تجاهل ذلك التكرار ، يريدون أن يخوضوا التجارب نفسها بذات الغباوة .

سكان أمريكا يتحدثون معظمهم لغة واحدة "الاسبانية " و يدينون بمعتقدات تكاد تكون واحدة ايضا ، العادات والتقاليد متقاربة إلى حد التطابق والثروات التي لا تذهب لأصحابها هنا وهناك كما هو الحال في الشرق الأوسط .

ما علاقة الكرة بذلك ؟

اليوم تقام المباراة النهائية لكوبا أميركا على ملعب تشيلي الوطني بين الأرجنتين وتشيلي ، ملعب تشيلي الوطني لم يكن دوما ملعبا لكرة القدم .


يقول فيكتور نوريجا أحد مشجعي تشيلي في مباراة اليوم : " أنا لا أفضل ملعب تشيلي الوطني لأسباب شخصية ، مرت أربعون سنة على تلك الأحداث ولكن مازالت أتذكرها بوضوح ، قام اوغستو بينوشيه بإنقلاب عسكري على الرئيس الاشتراكي سيلفادور الليندي عندما كنت صبيا في الخامسة وكان أبي يساريا ، اتذكر الرجال الذي قاموا بطرق باب البيت وكأن أياديهم مطارق تدسر المسامير ، كان الصوت مخيفا، قاموا بالقبض على والدي الذي لم يبد وجهه المتيبس حينها لا مقاومة ولا جزع ايضا، لم أعرف من هؤلاء ، وعندما سألته عن وجهتنا قال إننا ذاهبون إلى الاستاد لمشاهدة مباراة لفريق يونيفرسداد فريقي المفضل ، كنت أحمق إلى حد تصديق أننا بصدد مشاهدة مباراة في كرة القدم في الرابعة فجرا ، طوال الطريق كان فمي منفرجا يوشك أن يرتطم بأذناي ، لم ندخل من البوابات التي ندخل منها عادة وإنما اخترقنا رواقا يبلغ طوله ٤٠ مترا ، مررت بغرف خلع ملابس اللاعبين ، لابد أن أصدقاء ابي نافذون جدا ، إذ أننا لم ندخل هنا من قبل ، سمعت أصوات تتداخل داخل الغرف ، المؤكد أنها أصوات اللاعبين ، وصلنا إلى الملعب ، لم تكن المدرجات كما هي الان ، كانت خشبية كوجه أبي الذي مازال لا ينبس بأي شيء ، كان هناك عدد قليل من الجمهور وسعة الاستاد ٤٧ ألف متفرج ، بالتأكيد لن يحضر الكثير لمشاهدة كرة القدم والشمس لم تبزغ بعد فتضاعفت سعادتي لأنني سأتمكن من إغاظة أصدقائي الذي لن يشاهدوها .

نزلنا إلى الملعب ، لامست قدماي العشب ، إنه حلم ، أمر أحدهم أبي بالتوجه إلي المدرجات وأمر أحد الرجال الواقفين بمحاذاته باصطحابي لغرفة خلع الملابس كي أقوم بمصافحة ليونيل سانشيز أهم لاعبي الفريق وفي الممر المؤدي إلى الرواق سمعت صوت إطلاق الرصاص في الملعب ، كان كثيفا جدا وعندما دخلت إلى الغرفة وجدت أشخاص كثر يبكون ويصطرخون ، لقد قتل بينوشيه الآف التشيليين في ذلك الاستاد منهم أبي وقام بسجن ٤٠ الف اخرين منهم أنا في سن الخامسة ، كانوا يلقون بالنساء في حمام السباحة الملحق بالاستاد بعد اغتصابهم بينما كانت غرف التحقيقات هي قاعات سباق العجل التابعة للاستاد ايضا ، هو ستاد عظيم ولكن ما حدث هنا أعظم . "


تنهد نوريجا ثم تابع في أسف " النزاع بيننا وبين الأرجنتين قديم جدا منذ أن حاولنا تقسيم إقليم بتاغونيا بيننا وبينهم في القرن الماضي ، تدخلت بريطانيا وقامت بترسيم الحدود كي يزيد العداء وكانت علاقتنا بهم متوترة للغاية حتى إذا جاء بينوشيه أمسى التوتر كراهية بينة ، بعد أن ساند الخونتا الإنجليز ضد الارجنتينيين في حرب الفوكلاند ، قاموا بتأليف أغنية عن ذلك عشية اللقاء ثم أردف " بينوشيه قتل تشيليين كما ساعد على قتل ارجنتيين وكلانا يمقته ، هذا من الماضي وهذه مباراة في كرة القدم وليست حربا " .

ابتسم ثم قال " بالطبع هي حرب إذا لم نستثن ارتورو فيدال !"