الذِكر ~

[۩۩ elMagic ۩۩]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,

حقيقة آلذكر
ليس الذكر مجرد تمتمات باللسان، بينما يكون القلب غارقا في أوحال
الغفلة، سابحا في ظلمات البعد عن الله، إنما هو حالة تنافي غفلة العبد
عن ربه، وذهوله عنه، ونسيانه له؛ وذلك بأن يظل العبد دائم التذكر لله،
غير غافلٍ عنه، مستشعرا لعظمته جلّ في علاه، وأن يكون هذا التذكر
ساريا في جميع أعماله ونشاطاته سريان الماء في العود الأخضر، منبثا
فيها انبثاث الجملة العصبية في جسم الإنسان، وأن تصطبغ أحوال العبد
وشؤونه بذكر الله تعالى.

هذا هو الذكر الذي أمرنا الله تبارك وتعالى به. ولو رحنا نتتبع الآيات
القرآنية والأحاديث النبوية التي تحثّ على الذكر وتبيّن فضائله وفوائده،
لعلمنا أنه لا يقصد بالذكر مجرد تمتمات اللسان فحسب، بل هو تذكر
القلب واستشعاره لجلال الله تبارك وتعالى، وأن يكون العبدُ غارقًا في
نشوة الحب لله تعالى، تمتلئ جوانحه بتعظيم الله تبارك وتعالى، فهذا
هو الهدف الأساسي من الذكر. يقول الله تبارك وتعالى: {واذكرْ ربّكَ
في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفةً ودونَ الجَهْرِ مِنْ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصالِ وَلاَ
تَكُنْ مِنْ الغَافلينَ}، فالذكر المعنيّ في هذه الآية هو حالة قلبية وعمل
نفسيّ، بمعنى التذكُّر، ويدلّ على ذلك أن الآية في تذييلها نهت عن ضدّه
وهو الغفلة.

فالذكر إذًا: أن يظل القلبُ موصولا بالله مهما كان العمل الذي يزاولُه
الشخص، فبه تتحوّل كل الأعمال والأنشطة –التي في حدود
الشرع-إلى عبادة وقربة إلى الله تعالى، وبذلك تكون حياةُ العبدِ كلِّها
لله وحده لا شريك له ..{ قُلْ إنَّ صَلاتي ونُسُكِي ومحيايَ ومَماتي للهِ
رَبِّ العَالَمِينَ* لاّ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ}.

هذا هو الأصل في الذكر، إلا أن كثيرا من النصوص تحثّ على الذكر
اللساني باعتباره طريقا موصلا –بإذن الله- إلى الذكر القلبي؛ لأنّ
اللسان يساعد القلب على التذكر، ويصرفه عن الغفلة، وهو كذلك مقدور
عليه، وفي حدود إرادة الإنسان، فحثّ الإسلام عليه ليكون طريقا إلى
الذكر القلبي. فلا يستطيع أيّ شخص أن يصل إلى مرحلة الذكر القلبي
إلا إذا داوم وثابر ردحا من الزمن على الإكثار من الذكر بلسانه.

ولقد روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث عبد الله بن بسر
رضي الله عنه، أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد
كثُرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا من
كر الله".

ولا ريب أنّ أمره صلى الله عليه وسلم بالذكر اللساني، أمر لا بد منه
للوصول إلى الذكر القلبي الذي هو المبتغى والمقصود .
الذكر المطلوب هو الذكر القلبي، وليس مجرد كلمات تقال باللسان
بمعزل عن يقظة العقل وحضور القلب، والإسلام إذ حثّ على الذكر
اللساني إنما حثّ عليه من حيثُ كونُه موصلا إلى الذكر القلبي وطريقا
له، ولا طريق غير هذا الطريق؛ فمن يحرص على الذكر اللساني
ويثابر عليه فلا بد إلا وأن يبدأ القلب شيئا فشيئا بالتأثر بما يقوله لسانه.

ولكن الواحد منا قد يجد نفسه -إذ يذكر الله تعالى- غافلَ القلب، شاردَ
اللبِّ، ويعلم أن الذكر المطلوب هو الذكر القلبي، فتسوّل له نفسه أن
يترك الذكر؛ لأن القلب غافل عن ربه، معرض عن ذكره، وأنّ مجرّد
الذكر باللسان لا يفيد. هنا يحذرُنا الإمام ابن عطاء الله السكندري في
حكمة من حكمه الرائعة من الانسياق وراء تزيين النفس إذ تحثُّ
صاحبها على ترك الذكر باللسان لأن القلب غافلٌ ساهٍ، فيقول رحمه
الله: "لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه ... فعسى أن يرفعك
الله من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة. ومن ذكر مع
وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور. ومن ذكر مع وجود حضور
إلى ذكر مع غيبة عمّا سوى المذكور {ومن ذلك على الله بعزيز}".

في هذه الحكمة يحذرنا ابن عطاء الله مِنْ ترك الذكر لمن يكون حاله
إذ يذكر الله بلسانه غافلا قلبُه، غير حاضر عقلُه - بأن لا يترك الذكر
اللساني، بل يظل مثابرا مداوما عليه حتى يرتقي في مقامات الذكر، أول
هذه المقامات هي ذكر الله مع وجود غفلة، وهذا الحال – أي مجرد
الذكر باللسان- هو إقبال على الله بوجه ما، بينما في انقطاع اللسان
عن ذكر غفلة عنه بالكلية. وكذلك فالذكر اللساني، إذا ما ثابر عليه
المسلم، فإنه يتعرض لنفحة من نفحات الله، ويكون ذلك سببا ليقظة
القلب وحضور الفكر أثناء الذكر. الدكتور محمد سعيد البوطي إذ يشرح
هذه الحكمة يقول: "إن الشأن في الغافل الذي يصرّ مع ذلك أن يحرك
لسانه بذكر الله، إنه يقدّم بذلك معذرته إلى الله عز وجل، قائلا بلسان
الحال: اللهم لئن كان قلبي مشغولا عنك بأهوائه التي لا قِبَل لي بصرفه
عنها إليك، فلقد شغلت بذكرك لساني الذي أقدرتني على التحكم به،
وصرفته عن الخوض فيما لا يرضيك إلى ذكرك وشكرك والثناء عليك.
والمظنون حينئذ بكرم الله وفضله، أن يعتقه من أسر ضعفه، فيقدره
على إيقاظ قلبه إليه، كما أقدره على تحريك لسانه بذكره. وهو ما تعبّر
عنه كلمة "عسى" في قول ابن عطاء الله: فعسى أن يرفعك من ذكر
مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ".

والمقصود من يقظة القلب هو الانتباه والتيقظ وعدم غياب الشعور
وشرود الذهن عمّا يردده اللسان، وهذه الدرجة هي الدرجة التالية للذكر
اللساني المجرّد.

فإذا ثابر المسلم على هذا الحال وداوم عليه فإن المأمول من فضل الله
وكرمه أن ينتقل إلى المرحلة التي تليها وهي حالة الحضور مع الله
أثناء الذكر.

ويقول الدكتور البوطي مفرّقا بين كلٍ من اليقظة والحضور: "يقظة
الذاكر تعني مجرّد سيره الفكري مع معاني الكلمات التي يقولها أو
يرددها، بقطع النظر عن مدى تفاعله الشعوري معها، وبقطع النظر عن
يقينه الاعتقادي بها. أما الحضور فهو انجذاب مشاعر الذاكر إلى
المذكور حبا وخوفا أو مهابة وتعظيما، حسب ما يتضمنه الذكر الذي
يتّجه به إلى الله عزّ وجل من استغفار أو تسبيح أو ثناء أو تمجيد
وتوحيد".

وينتقل المرء من مرحلة الذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود
حضور بالاستمرار والمثابرة على التيقظ والتنبّه أثناء الذكر، لأن اليقظة
العقلية من شأنها أن تبعث في المشاعر أسباب التعلق الوجدانية.

وإذا استمر الذاكر حتى يصل مرحلة الذكر مع تفاعل المشاعر
والوجدان حال الذكر فلا بد وأن يصل إلى المرحلة التي تليها وهي
الذكر مع الغيبة عمّا سوى الله تعالى، فهذه الدرجة من الذكر تنسي
الذاكر الدنيا التي حوله، بكل مظاهرها وأنواعها؛ فلا يتجه منه الشعور
والإحساس إلا إلى الله وحده، على الرغم أنه يعيش في هذه الدنيا
ويتعامل معها ويخوض غمارها.

تمت بحمد الله ,,

[حازم34]

ماشاء الله

الذكر وهو يرطب القلوب

الذكر وهو راحه وواحه المؤمن

بارك الله فيك وحفظك ورعاك

وجزاك الله واهلك ومن تحب الفردوس

الاعلي

موضوع طيب وقيم