نحن قوم نشتري النكد!!

[بحر القمر]

يقال باننا شعوب نشتري النكد، ونستضيفه في بيوتنا، ونتحايل عليه ليحل ضيفاً علينا حتى لو كلفنا غالي الأثمان، فيدخل الرجل البيت عائداً من عمله متأبطاً النكد معه، فلا تسمع منه تسمية ولا تسليماً، بل تأففاً من رائحة البيت وصوت العيال ونقداً لترتيب البيت وتأخر الغداء، ثم صراخ على الأولاد ومخاصمة لهم وتوعداً لهم، حتى ترحل السعادة من النوافذ وتذهب البركة والرحمة معها، والشيطان يقهقه على من رحب بالضيف ودفع له غالي الثمن .

صورة أخرى لامرأة تبحث عن كل مايريبها في زوجها، تنبش في جيوبه وأوراقه، تقلب في جوال زوجها وتستعرض ما في كمبيوتره الشخصي من ملفات وصور، تبحث عن الأدلة والبراهين على زلات زوجها وأخطائه، تنشر أسراره التي أخفاها مجتهداً أو تاب منها وطال عليها العهد فنسيها، وتتصل على زوجها كل ساعة لتسأله أين أنت، ومع من، ومتى ترجع، ثم تغم قلبه بحكاية مشكلة لا وجود لها، أو موجودة ولكن لا داعي لقصها على الهاتف دون تأخير، لأنه يعز عليها ألا يشاركها النكد أولاً بأول، ويظل الشيطان يقهقه على من رحبت بالقلق والشك ضجيعاً لها وأكيلا..!!
نحن شعوب نستكثر على أنفسنا أن نسعد وأن نُسعد من حولنا، حتى ولو قدر الله علينا فحلت علينا الأعياد، فإننا نتورط بها ولا نعرف كيف نتخلص من تبعاتها فالابتسامة مكهلة، والتواصل الاجتماعي مشكلة، وفضيلة العطاء والإنفاق والتوسيع على الأهل مسرفة، السعادة عندنا شاقة، حتى لو لبسناها أياما فإننا سرعان مانخلعها خلع القميص الذي مللنا منه، عودنا أنفسنا على البحث عن النقط السوداء في الثوب الأبيض، وشجعنا بعضنا على النقد والانتقاد والتحقير والتهميش، بحثنا عن النكد من حيث نعلم ولا نعلم، ونسينا ان من أفضل الأعمال سروراً تدخله على مسلم، وان الابتسامة في وجه الناس صدقة، وان الكلمة الطيبة صدقة، وان حسن التفاؤل من الإيمان وان الله يحب التفاؤل، وان الله كتب الإحسان على كل شيء وأحبه، ولكننا نشتكي الضيق والتعاسة لفقرنا وقلة مالنا، أو نشتكي الملل والسآمة من تعودنا على النعمة وعدم الإحساس بالحاجة حتى تورمت أرصدتنا، إن كنا نريد الحل لما نحن فيه من توهان وضياع حب للنكد فهذا عائد بلا شك الى إعادة التفكير بذواتنا والدخول إلى عمق بواطننا والبحث بصدق عن السعادة التي ترضينا دون أن تجرح أو تنكد من حولنا، نبحث عن السعادة الرخيصة والزهيدة في الثمن فلا يجتمع إسراف وتكلف وتبذير للمال وسعادة إلا ان كان الليل يجتمع مع النهار، بل انها تفسدها كما يفسد الخل العسل، باعد الله عنا وعنكم النكد وأحلّ على قلوبنا وقلوبكم السعادة، وعلى دروب الخير نلتقي..