عندما جرحت ... فتاة

[belly]

كنت أجلس بمدرج الكلية وقت أن كنت بعامي الجامعي الثاني ، و كان ترتيبي الخامس من الداخل في الـ" بِنش " حينما رأيت فتاة تتقدم نحونا ... لم تكن قد بلغت العشرين مثلنا .. وكان وجهها صبوح و بشرتها حليبية و شعرها الطليق لونه أشقر .. لكنها كانت بدينة لحد كبير ..

كانت تريد الجلوس علي نفس البنش و لكن من الداخل و هذا كان يستدعي ان ننهض نحن الخمسة و نترك لها المجال كي تدخل إلي وسط البنش حيث ستنتظر صديقة لها أو ما شابه ..

تحرك الزميل الأول ليخرج ثم أتبعه الثاني إلي أن جاء دوري،فنهضت قائلا بسخطً:-

- يلا يا إبني .. خلي الترلة تعدي !

و الترلة طبعا هي سيارة الشحن الضخمة المتصلة بمقطورة ..

كان صوتي خافتاً لكنها سمعته رغم ذلك فقالت لي بعصبية تشوبها نبرة أسي تغلفها الكثير من الآلام النازفة :-

- شكراً !

أحسست بالكبر يزداد في أعماقي فقلت لها بتحدي :-

- عفواُ !

ثم جلست و بعد فترة من بداية المحاضرة ساورني القلق ، فقلت في أعماقي :-

- و ماذا لو أنها إشتكت للدكتور ؟ سوف يعنفك و يسخر منك و يجعل المدرج كله يضحك عليك !

كان فكري الضحل غير الناضج حينها يبث هذه الأفكار التافهة في أعماقي و لا يهتم بالمصيبة التي فعلتها بحق هذه الفتاة المسكينة ..!

و بسبب خوفي من تعنيف محتمل من الدكتور ذهبت إليها بعد المحاضرة و قلت :-

- أنا آسف بحق .

قالت الفتاة بضيق واضح حاولت أن تخفيه بداخل لا مبالاة مصطنعة بدون جدوي :-

- و عن أي شئ تتأسف يا صاح ؟

قلت و نظري كله مركز للأرض :-

- علي مابدر مني .

قالت و كأنها تبصق :-

- لا بأس !

ثم إنصرفت من أمامي في سرعة ، و أنا أشعر بالضيق و الأسف من نفسي ، فإعتذاري كان ضعيف باهت .. كما أنه إعتذار أحادي .. أي بيني و بينها فقط دون أن يشهده أحد .. رغم أن إهانتي لها كانت جماعية و سمعها علي الأقل الزملاء الأربعة ، فإنصرفت و أنا مطرق الرأس .

أحسست بالحزن بضعة أيام قبل أن أتناسي الموضوع برمته .. لتمر السنوات إلي أن رأيتها مرة أخري و لكن بالعام الجامعي النهائي .. !

كانت ترتدي بلوزة ضيقة نوعاً و تنورة – جونلة –

تحت الركبة مباشرة و تطلق شعرها الأشقر لكن الذي أثار إهتمامي أكثر هو وزنها ...

فلقد قل إلي حد كبير حتي انها أصبحت للنحافة أقرب منها للطبيعية ، و هذا أظهر جمالها أكثر و انوثتها أكثر و أكثر ...

لكنني شعرت بألم و كآبة تحطان علي قلبي و روحي و نفسي .. و تخيلت ما عانت منه هذه المسكينة بعد كلماتي المستهترة التي قلتها منذ سنوات ... تخيلت الدموع التي ذرفتها و كلمة " ترلة " تتردد في أعماقها طويلاً و تمزق وجدانها .. تخيلت القهر الذي عانت منه و هي تطالع قوامها البدين و تقارنه بقوام زميلاتها في الجامعة و صديقاتها في الحياة و تشعر أن هذه البدانة عامل منفر قبيح لا تنال منه سوي إعراض الذكور عنها بل و السخرية منهم كما حدث لها مني ..

تخيلت أنني مزقت مشاعرها الأنثوية شر ممزق ... فالأنثي تختلف عن الرجل .. و يمكن لأقل الاشياء أن تصيبها بالإكتئاب و الحزن و الهم .. خاصة لو كان ذلك يتعلق بأنوثتها و رقتها و جاذبيتها .. لأن الأنثي جُبلت علي حب إظهار جمالها و نيل الإعجاب و الإستحسان من الآخرين ...

إن الأنثي قد تكون قوية يمكنها تحمل العمل الشاق و متاعب الحياة الطاحنة ، لكنها كذلك كتلة حية تنبض بالمشاعر و الأحاسيس و العواطف الدفاقة و يمكن لكلمة بسيطة لو أنها أصابت مشاعرها إصابة دقيقة مباشرة أن تحطمها تماماَ ...

لن تصدقوا أنني ظللت أعوام أعاني بسبب مشهد هذه الفتاة – التي َ أن إسمها "أميرة" في ذلك اليوم - ، ففي كل مرة أتذكرها أشعر بالحزن و الأسف و القهر لأنني ظلمت هذه المسكينة .. صحيح أن كلمتي غيرالمسئولة ربما تكون السبب في إتباعها للحمية و تخفيض وزنها .. لكنني آذيتها بحق .. حتي و أنا أكتب هذه السطور أشعر ببعض الحزن و الكثير من الاسف ...رغم أن هذا حدث بعام 1999 أي منذ 23 سنة .. لكن مشهد قهرتها بعد قولتي .. لم ينمحي من ذهني حتي هذه اللحظة و لا أظنه يفعل ..

لذا اتمني أن يراعي كل إنسان ما يبدر منه و يصدر من لسانه .. فقد يكون أحد من السيف و اقسي من جلاميد الصخور و أثقل من الجبال .. خاصة لو كان متلقي هذه الكلمات ... مجرد فتاة .

6/8/2022

*****

[fanaa]

مش من حق أي حد يعلق على هيئة بنى آدم غير نفسه أنا لو كنت مكانها أو حصلي موقف مشابه كنت عرفت الا قدامي أزاي الترلة بتطير العربيات الكارو من ع الطريق

[belly]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fanaa مش من حق أي حد يعلق على هيئة بنى آدم غير نفسه أنا لو كنت مكانها أو حصلي موقف مشابه كنت عرفت الا قدامي أزاي الترلة بتطير العربيات الكارو من ع الطريق

شكرا علي ردك اللبق
و سامحك الله

[ساحر الأحزان]

ذلك الكلام قد يسعد وقد يحزن

وبرغم انه كان عن دون قصد

ولكنه ترك اثر كعامل نفسي

احسنت التوضيح


تحياتي لك

[نغم الشام بعد المغيب..]

الإعتراف بالحق فضيلة أخي الكريم.. وطالما أقريت بذلك بينك وبين نفسك بعد إعتذارك ..وندمت حتى هذا الوقت فأنت بخير..
-ليتنا نراعي جميعا أقوالنا ونلجم ألستنا قبل أن تتلفظ بأي حرف، توقعنا في عذاب الدنيا - الضمير-، وعذاب الآخرة ..
- وأجزم أنك تعذبت مما قلت أكثر مما تعذبت تلك الفتاة، لأنها تقبلت إهانتك لها ببرودة أعصاب حين قالت : شكرا. فهي تحدت إنتقادك بردة فعلها،وتحدت نفسها، وتقبلتها ولو على مضض، فشلت حركتها وتلبستك تلك الكلمة وعاشت معك أكثر مما عاشت معها أو عانت منها ، قد تكون تألمت منها كثيرا.. لكنها تجاوزتها، ولم تحملها معها أكثر مما حملتها أنت.بالعكس هي قوية، وقوية جدا لأنها تجاوزتها من أول رد لها، إنتهاءا بأنها إشتغلت على نفسها وأصلحت ماكان يؤثر عليها سلبا في الشكل ، وأكملت حياتها ودراستها، وبقيت أنت تتعذب من جراء كلمة حفرت في أعماقك إلى هذا الوقت، وإلى حين هذي الفضقضة من حضرتك.. وأعتقد إنك قد إرتحت بعد إعترافك هذا وأزحت عن صدرك ما كان يثقله .
-ليتنا جميعا نعترف بأخطائنا قبل فوات الأوان.. وأن لا نحملها معنا كل هذه المدة، وأن نعتذر ممن أخطئنا بحقه، وأن نعتذر من أنفسنا..حتى لا تعتاد ذلك.

-عذرا على إسهابي في الرد أخي الكريم، ولكن كان يجب أن أقول ماقلت.
مع خالص تقديري..

دمت في حفظ الرحمن